في زي إهداء - محمود محمد الشلبي

(1)
 
" دمعتان .. على شاهدة القبر "
 
تنكسرين على عتبات الزمن مثل قصيدة حزينة ... تنوئين
 
مثل حلم يهاجر نحو الغيب .. في عينيك دمعتان بحجم عذاب
 
متجدد ... وفي صدرك أمنيتان : أن تنزرعي زيتونة في صدر
 
الوطن .. أو تصيري صلاة متواصلة في خواطر الشهداء .
 
لم يكن الموج بلا ذاكرة ... حين مضيت تحملين سجادتك
 
إلى عالم ارحب ... ولم تكن الطرقات بلا عشب .. حين قطعت
 
آخر خطوة لك على درب الحياة ... بل ، لم تكوني بلا هواجس
 
حين أسلمك النعاس الثقيل ، إلى حلم مجهول ...
 
 
 
آه ... كم تصيرين متوجهة كاليقظة ، حين اقف في
 
حضرتك اقرأ سورة الدمع ... وأنت تسلبين الأجفان على أمنية
 
حبيسة ...
 
لك الفضاء الذي لا ينتهي والخضرة التي لا تغيب ... لك
 
الزمن المطرز بالعبادة .. واللحظات التي يسفحها صوت مؤذن
 
الفجر ، حين يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
 
وتظلين أثيرة إلى قلبي كالنصر ... واسعة كالبحر ...
 
شهية كالفرح ... ممتلئة بالبساطة والطيبة مثل أغنية خجول ...
 
 
 
آه ... كم يؤرقني غيابك المفاجئ ... كموت الياسمين ...
 
وكانشطار القمر ... حين تستطيل الظلال بقلبي .. ويمتد
 
الحزن ثقيلاً بين ضلوعي .. أشهق بلهفة ولد محروم .. واضح
 
بلا فوضى ... وانتحب طويلا .. فوق شاهدة القبر ، لأنك
 
أمي التي لا يجيء ... وشمسي التي تنطفئ ، ودمي الذي
 
ينسكب ساخناً تحت القدمين .
 
" فاتركي لي جديلة .
 
و اتركي لي قمر .
 
و ازرعي .. لي خميلة
 
في ضفاف النهر .
 
وانثري في حقائبي
 
أية ... أو أثر ..."
 
 
 
 
 
(2)
 
مسافة الحلم
 
 
 
بين سجنك البعيد ، ووجه أمك الذاهل مسافة من الحلم و
 
العذاب ، يكبر الحلم زمنا .. ويتسع العذاب زمناً آخر ...
 
وتطلع ما بينها وردة الروح .
 
 
 
بين سجنك الجديد .. وراحتك المشرعتين بثياب نحو
 
السماء .. غابة لوز وشعلة من نار الفرح .. بينك وبين من تحب ،
 
قصيدة وموال ... تنشرخ القصيدة في فضاء الوطن .. وينتصر
 
الموال على شفاه العشاق ، وتظل أنت الصوت المسكون بالبرق
 
.... والرعد ، والأغنيات تظل البشارة التي لا تجيء .. والموجة
 
التي يختصرها الشاطئ قبل الوصول ...
 
 
 
لكنك تمتد في سماء الوطن راية ممهورة بالدم والقرنفل ،
 
وبوابة موسومة بالعشق والولادة ،
 
 
 
تفجؤنا رسائلك المثقلة بدموع الكبرياء .. وبأناشيد
 
الحرية .. وبالصبر الذي يبتدئ ولا ينتهي .
 
يتجدد لك السجن والسجان ، والوجوه الغريبة والسنوات
 
العشر العجاف ، والملامح التي تنمو كالصدا على الجدران ،
 
وتبقى نوافذك مشرعة لطيور البحر ... وتظل أنت صديق البحر
 
والطير والمرج الذي لا تنكره الخضرة .
 
 
 
تلبس لك الأرض زينتها .. لكن نيسان يظل حزيناً كقلب
 
أمي . من سجن عسقلان إلى سجن نفحة .. مسافة يحددها
 
الزمن الرديء وتنتحر على معالمها الطيور العاشقة .
 
 
 
مضت أمك كمدا ، وهي تحمل في صدرها تفاحة حمراء من
 
أجلك ، ذبلت .. سفحت دم شرايينها المتفجرة في الدماغ ..
 
مضت قبل أن تكمل دورتها المقدسة ، وقبل أن تكمل أغنيتها
 
الشهية .
 
 
 
وقبل أن تبوح بآخر دعاء لك .
 
آه يا صوتها الحنون ، كيف تجيء ثانية ؟ كيف تدق
 
بوابة السجن من جديد ، كيف ترحل إليك أيها الأخ الذي لا أراه .
 
لكن العروق يابسة ، والقبر موحش ، والسجن الجديد مرحلة
 
أخرى للعشق المذبوح .
© 2024 - موقع الشعر