عطر النسيان - أحمد بنميمون

غضضتُ الطرفَ عن ط ُرق ٍ بها
 
أفراحي اشتعلتْ،
 
وعن شرفات أحلام وأسرار ِ
 
وعن خضراء ضاحكة ٍ ، لياليَ في انتشاء ٍ أو نهارات ٍ
 
وعن أمداء مجدبة ٍ، بها انهمرت عيون لم تشبّ
 
شذاً بغير فيوض أهوائي
 
وكنت نسيت هذا العطر، ممتلئا بأضوائي
 
ومنقطعاً لدفء الروح ، أنشُد في متاهات ٍ
 
تضج بها ظنون السالكين ، هدى
 
إذا ليل دجا ، أو شعّ إصباح بضوضاء ِ
 
فآخذ ما تقدم لي من الأشذاء أشعاري
 
بنور هديل محبرتي ،ونار ورود بستاني
 
فكيف نزلت تخترقين أسواري
 
وتنصبين في كأسي ،
 
وتنداحين ملء دمي شبيهة عصف تيار ِ
 
وتحتلين إحساسي ،
 
وفي زهو المُدلّ ، صعدت هادئة ،
 
تشب لعطرك الفواح نيراني
 
فتنبثين في أنفاس أزهاري
 
***
 
وتلتفتين للماضي ، وأيام لنا فيه ِ
 
من الهجران والآلام والتيهِ
 
دعتك لنفض تذكار ِ
 
ولن أرتد ثانية لأبعث فانياُ من مرقد ٍ هار ِ
 
ثوت معه أماني الطفل ،
 
و الصور التي تدعوه للآفاق :
 
يذهب باحثاً عن سر لؤلؤة ...ويرجع مطفأ الشفتين،
 
محزوناً ، قريح المدمع الجاري
 
وكنت نسيت هذا الحزن نسياني
 
لعطر منك منداح بأنهار ِ ...
 
الشذا ،مجنونة تمتد في خطوي ،
 
وفي عيني ،في قممي ، وفي أعماق أغواري
 
ولن ارتد ثانية
 
لأخسر باختياري
 
ما انقطعت لدفئه عن برد أرصفة ... ونار ٍ
 
إن كأسي
 
أن أصد الريح عن روحي وأحميها ،
 
وأنسى سحر غير النور يفنيها
 
ولن ارتد للماضي يدمرني ويبنيها
 
وتلتفتين ...
 
راجعة إليك ...
 
إلي ؟ ... يا بشراي ،
 
هل بعد الذي كانا
 
وواريناه في الظلمات ِ،
 
أنكرناه في الأضواء ،
 
ما أعلنته للشمس والأقمار، إمعانا
 
لخنق نشيدي
 
المخضل دمعا : إن أغنيتي
 
جرت تنساب ملء فمي ، بكاءً
 
كيف تنتظرين
 
أن يأتيك من عانى
 
بك الالآم ألوانا
 
ووصل الحب هجرانا
 
وصورته لديك أسيرَ آمال ٍ ،
 
يهيم على طريق الوهم مذ كانا
 
ويُروى بالإشارة يكتفي من
 
نور فتنته بما يبقيه ظمآنا
 
سيبقى من نشيد البوح
 
بعض العطر، لن أنساه
 
ولن أسعى إلى دنياه
 
فإني ملء روحي الدفء ، ممتلئا بأضوائي
 
سأبقى
 
ما اضمحل العطرُ،
 
أو ذبلت شفاه الزهر ِ،
 
مشبوب الرؤى ،
 
ما بين ممتد الجحيم ومنتأى مائي
 
سأبقى العاشق المفتون بالآتي ،
 
وبالمجهول يدعوني ،
 
وأرفض من يقيني
 
ما أضل به ، ويبعد فاتن الآفاق عن خطوي ، ويغريني
 
بأن أرتد للماضي ،
 
وللتذكار ضوع فاغم يشجي ،
 
ويحيي الميت النائي
 
ولن أرتد يا ذاتي ،
 
فقد ألفى الذي أحببتُ فيك في أحبائي
 
وقد تلفين بين عبارتي بوحي و إخفائي
 
وضوءا ثابتا بيني وبين الخافق الرائي
© 2024 - موقع الشعر