مكابدات عــلى الحافة - أحمد بنميمون

إذا ضاقت بك الدنيا ، فأين تسير، والآفاق مغلقة ، وموج الرعب عال ٍ
 
والعباب متاهة ورؤىً تهب بجحفل ملأت حوافره احمرارا كل رُوعك ؟
 
هذه عيني ترى من مات حتف الأنف ،
 
أو ذاك الذي لم تتحد أجزاؤه حياً ،
 
وقد أمسى يؤجج موتُه الأوهامَ في طرقات آت ٍ، قد مضى فيها ،
 
ليغمض عاجزاً عيناً،
 
ويهوي ، جُن منكفئاً ، يعود إلى طفولته،
 
يسائل في الحدائق بعد شرخ شبيبةٍ ورداً تناثر: أين أجنحتي لأرجعَ
 
نحوها سراً ؟ فأهلي صادروا الأحلام إذ منعوا
 
خروج الطفل يبني ما يرى ،
 
يا خطو منطلق إلى فرح نأت أسبابه حتى استحالَ
 
إلى سرابٍ:
 
أحكموا إغلاق ساحاتي .
 
وغيري مات لم يتجاوز الدرج المؤدي
 
للطريق بغير خطو شارد ، دهسته شاحنة مضت مجنونة ،
 
وأرى الجنون على طريقي كل حين ، كم تقنّع باصطخاب ٍ أو هدوء ٍ...
 
هكذا تمضي الدقائق من حياتي
 
والأسابيع الطوال وقد تضيق منافذ الأنفاس ،
 
لا لمحات راءٍ تحمل البشرى ،
 
وقد أكلت طيور الوهم من رأس الذي قد مات منتظرا،
 
بريئا في غياهب مستبد رهن جلاد،
 
وغيري مات منتحرا، لضيق عابر قاس ٍ ،
 
وآخر قد تشبث بالحياة سدىً لوعدٍ لا يجيء ،
 
فمن تراني إذ تضيق منافذي ؟
 
يا أيها المصلوب في شجر تشظى واهيا ،
 
متساقط الأوراق ، كيف يوحد الموتى تناسيهم
 
إلى أن ينهضوا من سكرة وثرى .
 
فمن أمسى يراكم في الدجى موتي
 
ويشرب من جماجمَ مرقدٍ في الصبح ِ
 
دمعَ عزاء من أودى بهم غصباً لقاع في سعير ؟
 
هذه كفي تُحقِّقُ من مصيري أن أسير لأسترد ملامحي،
 
أن أشعل الأيام ما انطفأت ، وأن أمشي ...بنور
 
غير هذا النور ، يصدقني الوعود ، وقد يعجل من نشوري
 
هذه عيني ... ترى خطوات مغتصبي التي تمضي
 
تدمر حلم عدوان بتدميري
 
سيهزم حين أعلو ، ثم أمضي
 
أشب مدى اشتعالي من جذوري
 
وأبعث يانعا قلباً ووجها
 
وأنهض هادماً سجني وسوري
 
* ** ***
 
عيني تعب مدى محيط الروح ، تبتلع الإشارات التي تدنو ،
 
وأخرى قد مضت قبسا وضوءا ، بين نيران مسيري ،
 
ما يدمرني هنا دعوى انبعاثي مرة ،
 
وجمود خطوي حيث كنت ،
 
فلم أعد أسعى لأنهض هادما سدا منيعا ،
 
لا يزال جداره يمتد ملء دو اخلي،
 
وربيع منتجعي متاه في الأسانة دون روح ،
 
مستريحا بانكسار مدا متي في لثغة المحتل ،
 
تنسى صوت هولاكو
 
الذي استحيت بداوته لهول حداثة الغازي
 
بأسلحة الدمار،
 
ذكية وغبية ، أن يمحق الأحياء في أرض السواد ،
 
ويحجب التاريخ خلف براقع الصحراء
 
باسم صلا لها سدوا على الماء الفرات
 
سبيله لحدائقي ، لن يعتلي ثمر ولا زهر شجيرات عراها ما عراني
 
هذه عيني ترى وجع الضحايا
 
قد تخصب من منضب ما يشع بما يشيع الموت ناراً
 
ليس تبطئ ،في كياني
 
هذه عيني ،
 
وتلك النار تزحف ،
 
هل هي النار الصديقة ؟ ما يسخرها يسخرني ،
 
وتلك صداقة في الحرب هل تجدي إذا دعت المكيدة للضرورة ،
 
ليس ترحم أصدقائي النار يا عبثا يقود إلى فناء
 
ما نقدس تارة ، أو ما نرى أنا نقدسه ،فيا زيف الخطاب ،
 
وتلك رؤيا النار تصدقني ،
 
وهذي قبضتي ، وأنا أقاوم إذ أميز في جحيم العصر :
 
أمسك جمر ما يحمي صفاتي ، بين نيران تهيمن ،
 
أو لظى تذكي ضميري
 
هذه عيني ترى وجه الصديقة في مرايا مسرح ، نزلت ستارته وما انهارت عن الوجه الصفيق مسوح زور
 
*** ***
 
عيني التي ما استوعبت رؤيا دمار محيط روحي
 
جاءها من بهرج الدعوى
 
الأكاذيب الملونة الجهيرة ، لا تربم
 
تدين أقنعة بظفر أو بناب
 
وهي ترفل إذ أراها في نقاء مستعار،
 
هاهنا الأذيال تسمع رمزَ طرفٍ ،
 
أو تقوسَ حاجب ٍ،
 
وإشارة الإبهام : أن سيري بأمر شق صماء الصخور.
 
*** ***
 
وكأن عيني قد رأت وجه الحقيقة في وصايا
 
لست أذكر ما يخل بروحها ،
 
هذا الربيع تنفس الصعداء سمسارٌ،
 
وفجّرَ من حسابات الذي يأتي به قرن وليد ٌ،
 
في حقول ليس يذكر عن بحيرات بها إلا ركام عوائد ٍ، حتى
 
ولو شبت عيون الناس من ظمإ ٍ وجاعوا .
 
هل ترى برقا على عين امرئ منهم
 
تطاول بعد حرب لم تطل إلا ليشرب نخب صفقته التي تمّتْ ،
 
تشبَ لظىً به ، ليطير منتشيا إلى نخبٍ تصب سيوله الغارات تمطر ما تشاء منَ القبور.
 
***
 
خذني إلى عين تفجر ماؤها ثراً ،
 
وما ورد الفرات زئيرُ آساد ،
 
وقد ضجت بأفواج ابن آوى كل بئر لم يكفّ صبيبها
 
حتى انهيار المستبد بما تبدد في يديه
 
أو توزع فوق صدر ٍ ناهد ٍ
 
أو ما أريق على كواعب لم يسرن على شذىً,,,
 
إلا بأقدام ٍ يدللها هوى ً داع ٍ إلى مبغى ، نقاء بياضها المخضل ،
 
ما هذا البياض كسيرة الأبرار،
 
هل نام الفرات عن الحدائق عمها ضوع العبير،
 
وما انتبهنا للأولى جاءوا لينتهبوا الغلال ونخلة الله ،
 
... ويشتعل النداء بمثل ما اشتعلت قرون من خلافات
 
أقامت ما أقام توهج النيران في الرمضاء ،
 
أي المد لجين بليلها حمدوا السرى ؟
 
لما يزلْ طير ينادي في البريئة ظامئا ،
 
وأجيج صحراء الجزيرة لا يصد عن استراق السمع ،
 
والآذان ، ما أعمى الجميع ، وما أصم قلوب من علقوا بأرض الساقيات ،
 
وفتنة خلبت نفوسا
 
ضج من أهوائها غرب ، وشرق لا يرى ،
 
هذا البياض بغير معنى ،
 
آن أن يعلو أذان كي أصحِّحَ ما يؤول لكل ذاتي ،
 
كل ما يعني اندحاري
 
أو صعودي ، حيث لا خطو يسير على انفراد ،
 
أو صداح دون أن يشدو ضميري .
 
*** ***
 
من أين تشعل شهرزاد الليل أضواء وأخيلة ،
 
ليرحل عاشق في هدي سحر بيان ما تروي ،
 
فإن هواتف الطلقات ،
 
أو حاسوب طيار يراقب من يطوف ،
 
وحي أهلي ليس يجرؤ ساكنوه على التحرك ،
 
ها هنا جمدوا عصورا في الظلام ،
 
وها هنا منعوا صغارا نور من يرعى ويرشد...
 
في مكان الحكي
 
تستبق انكسارا ت النفوس
 
خيال فاتنة الرؤى ،
 
لم تستطع جبرَ التصدع ِ
 
أو تصدَّ رعونة الطغيان عن سوء المصير ِ .
 
***
 
من أين تنهمر السماء على
 
شفاهٍ لا تريدُ
 
سماع َأغنيةٍ تحيّي الزارعين الأرضَ
 
أشواقا وحبا
 
لا يرتمي نهر من الأزهار ِ
 
فوق الحقل ما لم تُدفن الأشواكُ ، ما لم يقلب الإنسان تربا
 
أفهذه كفي تشقق ما ترى إرواءها فيه ونعمى الآخرينَ ،
 
الشك ُّ في ثوب الملاذ إذا استتبا
 
من بعض أغنيتي ندائي من أحب، إلى لقاء عند أقصى الحلم ، ما أدري لحلم الروح دربا
© 2024 - موقع الشعر