الغاز

لـ نازك الملائكة، ، بواسطة منيره العبسي، في غير مُحدد، آخر تحديث

الغاز - نازك الملائكة

دعني في صمتي في إحساسي المكبوت
لا تسأل عن ألغاز غموضي وسكوتي
دعني في لغزي لا تبحث عن أغواري
إقنع من فهم أحاسيسي بالأسرار
لا تسأل إني أحيانا لغز مبهم
أبقى في الغيب مع الأسرار ولا أفهم
روحي لا تعشق أن تحيا مثل الناس
أنا أحيانا أنسى بشرية إحساسي
حتى حبك .. حتى آفاقك تؤذيني
فأنا روح أسبح كالطيف المفتون
قلبي المجهول يحس شعورا علويا
لا حسا يشبهه لا وعيا بشريا
إذ ذاك أحسك شيئا بشريا قلقا
قمة أحلامي ترفضه مهما ائتلقا
إذ ذاك يحسك روحي بعض الأموات
ما سمى "أنت" هوى، لم تبق سوى ذاتي
في وجهك أنظر لكني لا أبصره
في روحي أبحث عن شيء أتذكره
أتذكر، لا أدري ماذا، ماذا كانا؟
شيء لا شكل يحدده.. لا ألوانا
ألمبهم في روحي يبقى في إبهامه
دعه لا تسألني عنه، عن أنغامه
دعني في ألغازي العليا، في أسراري
في صمتي، في روحي، في مهمة أفكاري
في نفسي جزء أبدي لا تفهمه
في قلبي حلم علوي لا تعلمه
دعه، ماذا يعنيك لتسأل في إصرار؟
ألحب يموت إذا لم تحجبه أسرار
إني كالليل: سكون، عمق، آفاق
إني كالنجم: غموض، بعد، إبراق
فافهمني إن فهم الليل، افهم حسي
والمسني إن لمس النجم، المس نفسي
جامعة الظلال
أخيرا لمست الحياه
وأدركت ما هي أي فراغ ثقيل
أخيرا تبينت سر الفقاقيع واخيبتاه
وأدركت أني أضعت زمانا طويل
ألم الظلال وأخبط في عتمة المستحيل
ألم الظلال ولا شيء غير الظلال
ومرت علي الليالي
وها أنا أدرك أني لمست الحياه
وإن كنت أصرخ واخيبتاه!
ومر علي زمان بطيء العبور
دقائقه تتمطى ملالا كأن العصور
هنالك تغفو وتنسى مواكبها أن تدور
زمان شديد السواد، ولون النجوم
يذكرني بعيون الذئاب
وضوء صغير يلوح وراء الغيوم
عرفت به في النهاية لون السراب
ووهم الحياه
فواخيبتاه
أهذا إذن هو ما لقبوه الحياه؟
خطوط نظل نخططها فوق وجه المياه؟
وأصداء أغنية فظة لا تمس الشفاه؟
وهذا إذن هو سر الوجود؟
ليال ممزقة لا تعود؟
وآثار أقدامنا في طريق الزمان الأصم
تمر عليها يد العاصفه
فتمسحها دونما عاطفه
وتسلمها للعدم
ونحن ضحايا هنا
تجوع وتعطش أرواحنا الحائره
ونحسب أن المنى
ستملأ يوما مشاعرنا العاصره
ونجهل أنا ندور
مع الوهم في حلقات
نجزئ أيامنا الآفلات
إلى ذكريات
وننتظر الغد خلف العصور
ونجهل أن القبور
تمد إلينا بأذرعها البارده
ونجهل أن الستائر تخفي يدا مارده
عرفت الحياة، وضقت بجمع الظلال
وأضجرني أن نجوب التلال
نحدق في حسرة خلف ركب الليال
تسير بنا القافله
نجوس الشوارع في وحدة قاتله
إلام يخادعنا المبهم؟
وكيف النهاية؟ لا أحد يعلم
سنبقى نسير
وأبقى أنا في ذهولي الغرير
ألم الظلال كما كنت دون اهتمام
عيون ولا لون، لا شيء إلا الظلام
شفاه تريد ولا شيء يقرب مما تريد
وأيد تريد احتضان الفضاء المديد
وقلب يريد النجوم
فيصفعه في الدياجير صوت القدوم
يهيل التراب على آخر الميتين
وأقصوصة من يراع السنين
تضج بسمعي فأصرخ: آه !
أخيرا عرفت الحياه
فواحبيبتاه!
© 2024 - موقع الشعر