الضحايا - محمد الفيتوري

إلى إبراهيم ناجي في ذكراه
الأرض مزحومة بالمصفدين الضحايا
والأفق غيمان.. غيمان مدلهم الزوايا
والدرب منطفئ اللون
في شحوب البغايا..
ففيم خطوك فوق العظام..
فوق البرايا..
وأنت عريان إلا من هموم العرايا
وغيمة من دموع..
وخيمة من خطايا.
يا دائس الظلمة..
ارجع محملا بالشكايا..
إن الطريق طويل..
تغفو عليه المنايا..
* * *
لكنه ظل يمشي
على جباه الصخور
معذب الوجه، والنفس
والخطى.. والشعور..
حتى تراءى له في ظلال بعض القبور
قبر غريب عليه بقية من زهور
فانهار يدفن عينيه
في أسى مستجير
ففي ثرى ذلك المدفن الصغير الصغير!
نامت قلوب البرايا
في قلب "ناجي" الكبير..
* * *
وقال، وهو كئيب
مستغرق في صلاته
كم شاعر مثل ناجي
مضيع في حياته
وشاعر وهو حي
يمشون فوق رفاته
وشاعر جردوه بالحقد من معجزاته
وشاعر توجوه على حطام بناته
وشاعر خلدوه والموت بعض صفاته
وشاعر مات حلم الخلود في نظراته
* * *
وقال. والدود نشوان من بقايا الضلوع
رب ليال قضاها ناجي
بقلب وجيع..
مثل نبي عظيم
مجلل بالخشوع
يبارك الساقطين..
الباكين خلف الربيع
وينثر النور، والحب في طريق الجموع
حتى إذا غسل الفجر وجهه بالدموع
مضى يواري أساه
عن سخريات القطيع!
* * *
وبينما هو مصغ إلى السكون الرهيب
توشح الأفق بالنور والجلال المهيب
ورف صوت إله
مجنح من قريب
فيه غموض الدياجي
وفيه عمق الغيوب
وفيه دق النواقيس
وابتهال الغروب
وفيه حزن نبي معلق في الصليب
وفيه روح غريب
كروح ناجي.. الغريب
* * *
ورددت جنبات الفضاء رجع النداء
وراح يغمس عينيه في سحاب الضياء
وراح يسكر أذنيه من جلال الغناء
"إن الضحى مشعل في أصابع الظلماء
إن الربيع زهور على طريق الشتاء
إن الحياة دروب إلى قبور الفناء
إن العذاب جناح الشهداء نحو السماء
* * *
وظل يصغى إلى الصوت مطرقا في سكينه
حتى إذا ابتلعت هوة الظلام حنينه
مضى ينفض عنه أعباءه وسنينه
ثم انحنى في خشوع..
في رعشات حزينه..
مقبلا قبر "ناجي"
والريح تسفي جبينه
وعاد يدفع رجليه
نحو سور المدينة
© 2024 - موقع الشعر