مات غدا - محمد الفيتوري

مات.!
فلم تحزن عليه قطرة من المطر
ولا تجهمت أوجه حفنة من البشر
ولا أطل ذات ليل فوق قبره القمر
ولا تلوت دودة كسلى..
ولا انشق حجر
مات غدا..
متسخ الجثة..
منسي الكفن
كحلم..
- واستيقظ الشعب -
كإعصار نتن!
مر على حقول الورد ساعة السحر
* * *
مات.!
وملء روحه المسودة المحترقة
ماض يغطيه دم المشانق المعلقة
وصرخات الثائرين في السجون المطبقة
وأوجه العجائز الأليمة.. المشققة
وهن يرفعن إلى السماء..
في أسى ذليل
أذرعة معوجة مثل مناجل الحقول
وأعينا يغوص فيها ظل مشنقه!
* * *
يا ابني..!
ترى أين مضى الجند بوجهك الحبيب
فحرموني شمة الثوب.. ونشقة الطيوب
الله.. ما أجلمه ابني.. في شبابه القشيب
كأنما يمشي على كل عواطف القلوب
ابني؟
وأوصد السجان باب سجنه الكبير
وزحفت سلسلة راح يجرها الخفير
وأنهار كرباج يلف الليل بالنحيب
* * *
- وأنت يا أبي
ألن تعود لي قبل الشتاء؟
إنا جميعا لم نزل نبكي..
نضج في البكاء.
أنا، وإخوتي وأمي
في الصباح والمساء
فعد لنا
كي لا يسمونا يتامى فقراء
كم مرة سألت كل الناس في حزن شديد
أبي بريء!
فلماذا صفدوه في الحديد؟
فأطرقوا..
كأنهم جميعا سجناء
* * *
وذات ليل طرقوا الباب ومروا داخلين
من أنتم؟
ماذا تريدون؟
وماذا تحملون؟
أما كفاكم أنهم وراء قضبان السجون
لكنهم ألقوا إلى قرب الجدار جثته
وحدقت في وجوه الذكريات الميتة
وجففت مدامعي دموع الآخرين
* * *
غدا يمر موكب الجوع بدربنا القذر
فاخضوضري يا سنوات القحط
وانزل يا مطر..
أغرق حقول الأرز والقمح
وأغرق النهر
وامسح بكفك الرمادية أحزان الشجر
لابد أن تصبح يوما غلة الحصاد لي
وتصبح السماء والأرض مجرى الجدول
وتنتهي مجاعة التراب.
والبشر!
* * *
وذات يوم مظلم رطب..
كسرداب طويل..
صحا يهز راحتيه في تشنج ذليل
وكانت الأيدي التي تحكي مناجل الحقول
تمتد في عينيه سوداء كأشجار النخيل
فانهار فوق الأرض..
في حشرجة ممزقة
ثم تدلى من جدار الأفق حبل مشنقة
وجثة باردة تسقط في الوحول
© 2024 - موقع الشعر