في شتاء قارس - محمد الفيتوري

قاس غناؤك، مغرورق العيون، وصاخب
كنجمة البحر، مسكونة بموج الطحالب
كمثل ما اشتعلت في الصخور شمس المغارب
يا عاصفاً حيث تخطو، لشد ما أنت غاضب
تكاد تشهق رعباً، وأنت آت وذاهب
في مدن من نحاس، وأمة من عجائب
تأنقت في الخطايا، وازينت في الخرائب
موجوعة ليس تدري، السياط من أي جانب
تنام فوق سرير الذهول، والحلم غائب
***
قاس شتاؤك.. أرض رملية وعواصف
وغصن نار وحيد، كأنه الموت واقف
يصغى وقد قوسته رؤى ملوك الطوائف
الخارجين من الذكريات، حمر المعاطف
كانوا هم الكون قدراً، ونعمة، ومواقف
ثم استحالوا توابيت في بطون المتاحف
فكيف داس الذي داس قبره، غير راجف
وكيف خان الذي خان أرضه، وهو عارف
وكيف مست أيادي الزناة، طهر المصاحف
***
قاس، وصوتك والبرق في عيون النوارس
والشاخصون صفوف من الدمى والعرائس
بلى، وكان شتاء، مر بطيء، وقارس
وقلت يا زمن النفط والرجال العوانس
إن الذي رقصوا حوله، وهزوا القلانس
لا ليس عرساً، وإن كان، فهو عرس الدسائس
***
قاس.. وبغداد أقسي، بغداد ناء مداها
تمتد فهي المجرات، أعيناً وجباها
وتنتهي حيث يمشي التاريخ إثر خطاها
فاكتب عن النار والثلج شمسها وضحاها
اكتب ولامس رفات العظام من شهداها
أنت المغني الذي رآهموا ورآها
وشاهد العصر، عريان في حريق دماها
© 2024 - موقع الشعر