شاعرا وإنسانا بلا حدود.. - محمد الفيتوري

كنا معا نسرق أسرار السماوات
وكان العمر بستانا من الشعر
ولبنان مرايا من رسوم وصور
كنا إذا ما أشتعلت فينا الأساطير
كسرنا جرة الخمر الإلاهي
وزخرفنا بأيدينا قناديل المطر
كنا هنا يا جورج، يوما
هل ترى تذكرنا الساعة؟
أم أنك مأخوذ بإيقاع القدر!
كنا هنا..
لم نحتطب في غابة الماضي
ولم ننفخ رماد العصر
لكنا تلكأنا على أرصفة الحزن قليلا
لم نكن نغرق في الدهشة
لولا شفق ناء بطيء
ربما كان انعكاسات رؤى الموتى على الأحياء
أو كان انهيارا زمنيا في جدار الوقت
هل تسمعني في صمتك المثقل بالأزهار
إني قادم بأسمك من أقصى مداراتي
إني صارخ باسمك..
في حيث يكون الشعر إصغاء إلى التاريخ
أو حيث يكون أسمك
تاجا أرجوانيا على لبنان!
هل تبصرني؟
إني هنا يا جورج..
مكتوب على عيني أن أبقى سجينا في معانيك
وأن أبكي موتاى الكثيرين، ولا أبكيك
أن يصبغ لون الرمل أجفاني، ولا أبكيك
أن يرتطم الإعصار في دربي، ولا أبكيك
هل تغفر لي؟
أني أصلي لك في شعري..
ولا أرثيك!
أني أنحنى، شمعة إيمان
لدي أبهة الموت
وأستثنيك
يا صاحب أيامي..
يستغرقني منك ذهول عاصف
أمطار قداس سماوي
وجوه من شموع، وقناديل رخام
وخطى آلهة مختالة تمشي
فأبكيك، ولا أجرؤ أن أبكيك
أعدو كاشف الصدر
وتعدو مركبات الموت من حولي
فأداخل في صمتي
أبكيك، ولا أبكيك
أرثيك، ولا أرثيك
باب موصد هذا الأسى الممتد في روحي
باب حجري موصد
أودية وحشية العشب
وشمس رثة
وأنت ماض بانفعالاتك..
مكسو بأحزانك يا جورج
إلى أين؟
تريث لم يزل لبنان لبنان
يذوب الثلج في ناعورة الوادي
ويصحو الجبل العالي، ويعلو نجم لبنان
فلا تعجل..
ولكنك تمضي يا حبيبي مسرعا
تملأ هذي الأرض، شعرا ومزامير
وتمضي قلقا وموجعا
وأنت في نأيك.. لم تزل هنا..
ولم تزل هنا..
أرزة تغسل رجليها بماء النهر
أو عصفورة تنقر وجه الريح
أو سارية من لهب تخترق الضباب
***
أبكيك، ولا أبكيك
أرثيك، ولا أرثيك
فالموتى ينامون على أكفانهم
وأنت حي بيننا
وليس موتا أبدا هذا الغياب!
الرباط- بيروت 1993
© 2024 - موقع الشعر