بقدر ما تسع السماء - محمد الفيتوري

لغة أخرى غير الخزف الشرقي
السائل في الكلمات
وموسيقى الأشعار
لغة غير الماضي الأنقاض
وغير الأقبية المتراكمة الأحجار
لغة تمحو.. تتفاقم.. توغل..
تورق ليل نهار
لغة متناهية في الله
مباغتة.. متفجرة الأسرار
لغة غير القبب المنقوشة
والمدن الجوعى..
المكسورة بالدم والأزهار
لغة لا تزحف كالديدان
ولا تتناسل كالغربان..
على قمم الأشجار
لغة تتشكل في شفتي بغداد الآن
وتولد في كفي بغداد
وتكبر في عينيها الرائعتين..
الشامختين
المائجتين بالآف الأقمار
-2-
في الرمل كان صعود قوس الفجر..
-لا
في النخل كان هبوط شمس الظهر..
-لا
في الريح كان الموت نجم المهرجان..
في البدء كان النفط قنبلة
على شط الخليج
وكان شيخ النفط يغرق
في لياليه الحسان
في الغيب يا بغداد..
كنت يبارقا تمشي على إيقاعها الدنيا..
وترتسم انفعالات الزمان
-3-
الميتون..
الميتون..
رقدوا على أكفانهم زمنا
وحين تجسد الوجع العظم
تحولوا صورا الآلهة مخنطة العيون
الميتون..
الميتون..
وأنا الدم القلق الحرون
وأنا النقوش البابلية
ليس تحجبها سحابات القرون
وأنا أنفجارات العذاب المحض
في زمن الفجيعة والجنون
وأنا الإرادة لا تهون..
ولا تخون..
ولا تقول كما يقول الآخرون
سكان هذي الأرض موتى..
الميتون هم الذين تفاخروا يوم السقوط
بأنهم يتساقطون
الميتون هم الهزيمة تحت رايات الهزيمة
والخيانة ملء أبواق الخيانة
الميتون هم الطواويس المتوجة المهانة
الميتون هم الإدانة!
-4-
لبسوا براقعهم على ضجر
وبغداد التي صبغت ضفائرها بلون النار
تجتاز المخاض وحيدة
وكأنما هي في صلاة
بغداد يا جبل البناه
أو لا تزال الأرض تحبل بالعبيد
وبالطغاة
أو لا يزال يجوس عبر حقول عينيك
النبيون الرعاة
أو لا يزال العادلون هم الخطاه!!
قومي إذن، وتوشحي
بردائك القدسي
وأمتثلي إلى قدر الإلاه
قومي فقد عاد الدم الهمجي
يغلي في شرايين الحياة
عاد الذين تفحموا بالأمس
فوق خيولهم
يتقلبون على خيول النار
عاد حفيد هولاكو
يحاصر نينوي بجيوشه
ويسد أبواب البحار
عاد القياصرة، الأباطرة الكبار
فتسلحي بالغيم..
وانتظري تعاقب دورة الأمواج
بعض الوشم يرسم ظله فوق الجباه
والبعض مثل النقش
ينخر في المعاصم والشفاة!
***
لتكن صخور من أسي
لتكن جبال من شتاء
ولتسترح كتل الظلام الرطب
فوق مداخل المدن القديمة
وليغط الثلج ساحات الفضاء
ولتشتعل لهبا عيون البربر المتوحشين
شاراتهم وخيامهم
ولغاتهم، وعظامهم
يا سيدي الوطن الحزين
لكنهم مثل الذئاب الجائعات أتوا
ولن تبقى الذئاب غدا
ولن يبقى العواء
فأرفع جبينك عاليا فوق السماء
بقدر ما تسع السماء
بقدر ما تسع السماء
الرباط 3-3-1998
© 2024 - موقع الشعر