إنها مصر - محمد الفيتوري

لا ترتجف عيناك
إن الضوء مسكوب على الأشياء
والصورة في تموج العينين
لا ترتجف
ها هي ذي الأرض
التي تمتد في خارطة الدنيا
وهذا نيلك الإلهي اليدين
أعمدة التاريخ
والأهرام سقف الكون
والأزهر في جلبابه الضافي
وقبة الحسين...
بستان أيامك في أيامك الأولى
إنتفاضات جناح الطائر المسجون
في أصابع اليدين
لم تأت.. ولم تذهب بعيدا
أيها الطفل الذي استلقى على قارعة الوقت
عجيب أنت مثل الوقت
لا تدرك كيف اختلطت أقنعة الموتى
وفي أية رؤيا اغتسل العاشق بالذكرى
وأين؟
***
لا ترتجف...
لم تأت من ماض، ولم تذهب بعيدا
أنت كمن يحلم
كانت تنسج الأقدار
أرجوحتك المزرقة المصفرة، السوداء
كانت مصر تغرورق بالدمع
فتبتل السماوات
وأشجار السماوات
وساحات المدائن
والتصاوير التي ترسمها في الليل
وأقواسك في الليل
وأصوات المداخن
ربما أبصرتها تائهة تركض في الغيم
فاستيقظت مقرورا من الخوف
لماذا انفرطت سبائك الفضة في الأرض
وقصت شعرها الشمس
لماذا الأرض، والحنطة، والشمس
احملوا يا أيها الآتون ألواح البدايات
وكونوا بذرة الفجر الذي ينمو جنينا في حشاها
إنها مصر
إنها مصر
***
ولكنك لم تأت، ولم تذهب
سلام لانكفاء الأرجل المثقلة التعبى
على أحجارها المثقلة التعبى
سلام لارتعاشات الأيادي والمناجل
لحائط الصفصاف، والكافور
والحور، وأمواج المشاعل
لبحة الناي
وآهات الأراغيل
وإيقاع الجداول
لقامة سمراء، يكسوها الصبا الحلو
وخلخال يغازل
لوجه فلاح عن التربة
والتاريخ، والحب يقاتل
وللعصافير التي تجري مع الأطفال
في عيد السنابل
***
لا ترتجف
إنك لم تذهب، ولم تأت
غفوت أعواما
وهذا أنت صاح حالم بين يديها
إنها مصر.. إنها مصر..
القاهرة 1989
© 2024 - موقع الشعر