ومن نكبة ٍ لاقيتُها بعد نكبة ٍ - ابن الرومي

ومن نكبة ٍ لاقيتُها بعد نكبة ٍ
رهبتُ اعتسافَ الأرض ذات المناكب

وصبري على الأقتار أيسرُمحملاً
عليَّ مِنَ التعرير بعد التجاربِ

لقِيتُ من البرّ التّباريحَ بعدما
لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ

سُقيتُ على ريٍّ به ألف مطرة ٍ
شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ

ولم أُسْقَها بل ساقها لمكيدتي
تَحامُق دهرٍ جَدّ بي كالمُلاعبِ

أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ
برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكب

سقى الارض من أجلي فأضحت مزلة ً
تَمايل صاحيها تمايُلَ شاربِ

لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي
وإخصاب مزورّ عن المجد ناكب

فملتُ الى خانٍ مرثٍ بناؤُه
مَميلَ غريق الثوب لهفان لاغب

فلم ألقَ فيه مٌستراحاً لمُتعَب
ولا نُزُلاً ايّان ذاك لساغب؟

فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشة ٍ
وفي سهرٍ يستغرق الليل واصب

يؤرِّقني سَقْفٌ كأَني تحته
من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ

تراه اذا ما الطين أثقل متنه
تصّر نواحيه صرير الجنادب

وكم خَانِ سَفْر خَانَ فانقضَّ فوقهم
كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ

ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ
من الصّر فيه والثلوج الأشاهب

وما زال ضاحِي البَّرِ يضربُ أهلَهُ
بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائب

فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه
رَهين بسافٍ تارة ً أو بحاصبِ

فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً
وكم لي من صيفٍ به ذي مثالبِ

ألا ربّ نارٍ بالفضاءِ اصطليتُها
من الضِّحِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ

إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إكامُها
وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ

فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ
لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاوبِ

كِلاَ نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ
خلافٌ لما أهواه غيرُ مصاقب

لهاثٌ مميتٌ تحت بيضاء سخنة ٍ
وريٌّ مفيتٌ تحت أسحم صائب

يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً
ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ

فيمنع مني الماء واللوح جاهدٌ
إليَّ وأغراني برفض المطالبِ

وما زالَ يبغيني الحتوفَ موارباً
يحوم على قتلي وغير موارب

فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلة ٍ
وطوراً يُمَسيني بورْدِ الشَّواربِ

فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ
وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ

© 2024 - موقع الشعر