نبوءة العرافة - فدوى طوقان

-1-
حين بلغت عامي العشرين
قالت لي العرَّافة الدهريه:
"تنبئني عنك الرياح في هبوبها
"تقول
"تعويذة الشر المحيق ههنا"
"ببيتك المهلهل المشطور"
"معقودة تظل لا تزول"
"حتى يجي اارس المكرس المنذور"
"تنبئني الرياح في هبوبها"
"عن فارس يجيء"
"لا واهناً ولا بطيء"
"تقول لي يجيء من طريق"
"تشقها من أجله الرعود"
"والبروق"
هلاَّ سألت لي الرياح يا
عرَّافة الرياح
متى يجيء الفارس المنذور؟
"حين يصير الرفض"
"محرقة وجلجلة"
"تلفظه أحشاء هذي الأرض"
"من جسمها بضعه"
"لكنما الرياح في هبوبها"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
تحت شقوق سقفي المصدوع
وقفت عند الشرفة المخلّعه
أحكم بالتكوين
أنتظر الآتي
أصغي لنبض البذرة الدفين
يخضُّ رحم الأرض
يرضع قلب السنبلة
يا كيمياء الموت والحياه
متى يصير الرفض
محرقةً وجلجلة؟!
.......................
.......................
-2-
كانت خطاه حين جاء جرساً
يقرع في أقبية الظلام
والريح كانت حين جاء فرساً
تركض تحته وتنفض الحطام
أردفني وراءه وقال يا حبيبتي
حبك يحمي ظهري العريان
التصقي بي، لا تخافي الليل والذؤبان
فالحب لا يخاف
يوم امتطيناها ظهور الخيل
راحت أغانينا
تومض مثل الخنجر العريان
على ضفاف الليل
.................
على ضفاف الليل
تسامقت أشجارنا وأطلعت
الزهر والأثمار والنجوم
وكلما نجم هوى
في موسم الإعصار والسموم
انتفضت أشجارنا وأطلعت
سواه أفواجاً من النجوم
...........................
يوم امتطيناها ظهور الخيل
تجوهرت جباهنا في الشمس
تعصبت بالعنفوان
صرنا الرؤى تلمَّها الأجفان
صرنا زهر
على شفاه السهل
والغور والنهر
وأصبحت هدب الصغار
راياتنا
حين تفتحت عيونهم على
وميض أغنياتنا
(صوت داخلي):
"لكنما الرياح في هبوبها"
"تقول حاذري"
"أخوتك السبعه"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعة"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
.................
لو أنا نطامن من صوتنا
ونكبح هذا الهياج
ولو نتوارى ونمشي رويداً رويداً
وراء السياج
فلي أخوةٌ يا حبيبي غُيّر
لو أنَّ القمر
يعود إلى كهفه في الجبال ويرخي السُّتُر
أخاف الضياء يشي يا حبيبي بنا
فإن كلاب الطراد على دربنا
تُجن إذا برقت في الظلام نصال القمر
حبك يحمي ظهري العريان
التصقي بي، لا يكون الحب يا حبيبتي جبان
(صوت داخلي):
"لكنما الرياح في هبوبها"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
"تقول حاذري"
"اخوتك السبعه"
-3-
قابيل الأحمر منتصبٌ في كل مكان
قابيل يدقُّ على الأبواب
على الشرفات
على الجدران
يتسلّق يقفز يزحف ثعباناً ويفحُّ
بألف لسان
قابيل يعربد في الساحات
يلف يدور مع الإعصار، يسد
مسالك
ويشرّع ابواباً لمهالك
يحمل في كفّيه غسول الدم
توابيت النيران
قابيل إله مجنون يحرق روما
والموت كبير يتنامى
صفصافة بللورٍ أحمر
يسقيها القابع في "المخفر"
فتمد تمدُّ تمدُّ تمدُّ
تمدُّ وتنتشر الأغصان
وعلى الآفاق
على الطرقات
على العتبات
على الحيطان
أوراق اللهب
ترقّصها ريح الشيطان
الموتُ كبيرٌ يتنامى في كل مكان
الموت وقابيل الأحمر في كل مكان
................
...............
مددتُ نحوهم يدي
ناديت في حزني وفي نحيبي
يا اخوتي لا تقتلوا حبيب
لا تقطفوا العنق الفتيّ
سألتكم بالحب، بالقربى سألتكم وبالحنان
يا أخوتي لا تقتلوه
لا تقتلوه
لا تق...
-4-
حين استراح الموت
وعرَّشت حولي غصون الصمت
حنوت فوقه أنوء بالأسى
أمسح صدره المهشم الضلوع
أمسحه بالحب والأحزان والدموع
لملمتها أشلاءه المتبّله
بالدم والدخان والحصى
لململت ليل غابة الشعر
والشفة التي تمزقت كما الزهر
وماستي عينيه
(واهاً كانت العينان تثقبان
غابة الظلام، كانتا
مستودع الريا وموطن
الحلم)
لملمته شلواً فشلواً
باقةً من الزهر
أسلمتها إلى الرياح
وقلت يا رياح
هذي شظاياه ابذريها
في السفوح والقنن
وفي السهول، في ثنايا الغور
في مسارب النهر
خذيه وانثريه عبر كل ساحة الوطن
.......................
......................
-5-
يشدني ايلول
إلى شقوق بيتي المهلمل المشطور
ولم تزل عرّافة الرياح
تطرق بابي الحزين كلما تنفّس الصباح
تقول لي:
"حين تتم دورة الفصول"
"ترجعه مواسم الأمطار"
"يطلعه آذار"
"في عربات الزهر والنوَّار
© 2024 - موقع الشعر