الروض المستباح - فدوى طوقان

أين الغناء العذب يا طائري
تسبق فيه كل شاد طروب

وأين أفراح الصبا الزاخر
باللهو، أم أين المراح الدؤوب

مالك تلقي نظرة الحائر
يريد يستجلي خفايا العيوب

وما الذي في قلبك الشاعر
قل لي، فإن البث يشفي القلوب

ما ترى حولك همس الورق
يسكبه في أذن الجدول

كأنه نجوى محب سرق
هنية من غفلة العذل

والزهر الرفاف إما عبق
عبيره يسري مع الشمأل

وهذه الدنيا، وهذا الق
فمتع النفس ولا تمهل

بين الفراشات، هواها خدوع
تلهو بهذا، وبذا تلعب

كم توهم الزهر هيام الولوع
وقلبها يا طائري قلب

فيها الى التبديل طبع نزوع
والطبع غلاب فما يغلب

وهذه الوردة ذات الرواء
كم تشهي لحنك في حبها

بلبلها اليوم اليها أفاء
وأرسل العطر الى قلبها

وفي لها، والنفس. تلقى الوفاء
أجمل ما تهداه من صحبها

غن ومتعها بهذا الصفاء
أو، لا، فلن تنجو من عتبها

واعجي صمتك هذا رهيب
يا طائري، ضمن معنى الحذر

ترمي بلحظ الصقر نحو الدروب
كأنما أنذرت منها بشر

ما تأتلي ترقب كالمتريب
أشعر من حوليه وشك الخطر

أقعى، على أهبته للوثوب،
في كبرياء تتحدى القدر

ماذا أرى هذاك بوم غريب
منطلق، جهم المحيا، وقاح

يحوم في الروضة حوما مريب
غدوه متهم.. والرواح

يطل من عينيه قلب جديب
لكنه أرعن، فيه جماع

اقتحم الباب اقتحام الغصوب
وجاس في الروض طليق الجناح

عيناه إذ رأرأتا جمرتلن
قد شبتا، ما تطعمان الكرى

عن وكرك المطلول لا تحسران
تطلعا يا طائري منكرا..

أشرع منقارا كحد السنان
مضاؤه، ملتويا أحمرا

ومخلبا يصرع قلب الآمان
يا صيغة الوكر وقد أشهرا

ما شأن ذياك الدعي الدخيل
في الروض، والروض حماك الحبيب

وكيف يغدو مستباحا ذليل
أو غرضا يرمي بسهم غريب

أغضيت عن روضك دهرا طويل
يا طائري، مغرى بحلم كذوب

واليوم تصحو عن خيال جميل
مضى مع الشحرة، غب الهبوب

أنفض جناحيك من الرقدة
يا طائري، أخشى عليك المصير

لا تمكن البوم من الروضة
أرى لذاك البوم شأنا خطير

أضب للوكرعلى على شرة
فيما أراه، وأذى مستطير

عليك بالحذر، فكم غفلة
يؤخذ منها المرء أخذاً نكير

ويلك، لا تأمن غريب الديار
فخلفه من مثله معشر

يا طائري، إنّ وراء البحار
مثل عديد الذرّ لو تنظر

تربّصوا في لهفة وانتظار
ودبّروا للأمر ما دبّروا..

تحفزهم تلك الأماني الكبار
وأنت أنت المطمع الأكبر

© 2024 - موقع الشعر