على القبر

لـ فدوى طوقان، ، في غير مُحدد

على القبر - فدوى طوقان

"إلى روح إبراهيم"
آه يا قبر، هنا كم طاف روحي
هائماً حولك كالطير الذبيح
أو ما أبصرته دامي الجروح
يتنزّى فرط تبريح ويأس
مرهقاً مما يعنّيه الحنين
وهنا يا قبره أشوق نفسي
يا لأشواق على تربك حبس
وهنا قِبلة أحلامي وهجسي
قرّبتني الدار، أو طال نزوحي
فخيالي بك رهنٌ كلّ حين
إن نأى بي البعد ردّتني إليك
لاعجلت ما تني وجداً عليك
لست تدري أي دنيا في يديك
من حنان وبشاشاتٍ وأنس
يا لقلبي! أصبحت في الهامدين
آه يا قبراً له إشعاع نور
لا أرى أجمل منه في القبور !
فيك دنياي، وفي قلبي الكسير
مأتم ما أنفكّ مذ بات لديك
قائماً يأخذ منه بالوتين
وإذا ينزف دمع المقل
يجهش القلب أسى ما يأتلي
نادياً عندكا أعلى أملِ
باكياً فيك نصيري وظهيري
ساكباً من ذوبه غير ضنين
أوحش السامر من ذاك السمير
غير أصداء فؤاد وشعور
نغم أفعم أمواج الأثير
بالأماني والهوى والغزل
وترامي بين أحضان السنين
زهرة عطّرت الدنيا بنشر
ثم مالت بين أحلام وشعر
وذوت عن عمر للزهر نضر
وذوت عن عمر للزهر نضر
هكذا تنفذ أعمار الزهور
والشذا باقٍ بروح العابرين
كلما أشرق في الليل القمر
مترعاً بالنور أعصاب الزهر
أظلمت نفسي وهاجتني الذكر
كيف غيّبتك في ظلمة قبر
كيف أسلمتك للترب المهين
وإذا ران على الدنيا هجود
وغفا فيها شقيٌ وسعيد
لم يزل يهتف بي صوتٌ بعيد
من وراء الغيب وافي وظهر
ومضى يهمس همس العاتبين
عتبه أخذي بأسباب البقاء
أتملى من وجود وضياء
وعديل الروح في وادي الفناء
السنى ضن عليه والوجود
فهو بالحرمان لم يبرح رهين
أيها الهاتف من خلف الغيوب
ما ترى نبع حياتي في نضوب
لم أزل أضرب في عيش جديب
موحش كالقفر، موصول الشفاء
منذ أمسى نجمه في الافلين
أين إبراهيم مني، أين أين
حبة القلب ونور الناظرين
أنا من عيش وموت بين بين
فلعل الحين موف عن قريب
يمسح الجرح والام الحنين
© 2024 - موقع الشعر