هروب

لـ فدوى طوقان، ، في غير مُحدد

هروب - فدوى طوقان

كرهت حقائق الدنيا الورى
وهمت بأوهام دنيا الخيال

فما يتصبّاك إلا الرؤى
وسحر الطيوف وسحر الظلال

متى يا أبنة الوهم تستيقظين
متى ينجلي عنك هذا الخيال

أفيقي، كفاك، لقد طال مسراك
عطشى وراء سراب الرمال

تعيشين في ذهلة الحالمين
بعيداً بآفاق كونٍ عجيب!

ويملأ روحك في قيده
حنين المشوق وشجو الغريب

ومن فلك الأرض كم تطلقين
خيالك فوق الفضاء الرحيب

يجوز مدار النجوم ويمعن
في اللانهايات، عبر الغيوب

قفي، أين تمضين؟ فيم اندفاعك، من ذا ترين بأفق الشرود
وما هذه؟ رجفة في كيانك مما تشد عليه القيود

تمرد روحك في سجنه
يريد يحطم تلك السدود

ليسمو طليقاً خفيف الجناح
وراء الزمان، وراء الحدود

قفي؟ اين تمضين؟ من ذا ترين
هنالك عبر الفضاء العظيم؟

وماذا يشوقك؟ أم من ينادي
ويومئ من شرفات السديم؟

تمر امامك هذي الحياة
مواكب مختلفات الرسوم

فتلوين وجهك لا تنظرين..
وفي مقلتيك ظلال الوجوم

ألا كم تهيمين في عالم
تناءى بعيداً بعيداً مداه

وفي عمق روحك شوق ملح
جموح لظاه، عنيف ظماه

تراك هنالك تستلهمين السموات سر الردى والحياة
تراك هنالك تستطلعين خفايا الوجود وكنه الإله؟!

ألست من الأرض؟ فيم انخطافك؟ فيم انجذابك نحو الأعالي
أأنكرت في الأرض هول الفناء، وظلم القضاء، وجور الليالي

تراك افتقدت جمال العدالة فيها، فهمت بأفق الخيال
محيّرة ولهاء، تنشدين الحقيقة في غامضات المجالي

أراعك في الأرض سيل الدماء
وبطش القوى والرزايا الكبر

أراعك فيها شقاء الحياة؟
اراعك فيها صراع البشر؟

أمن صرخات القلوب الدوامي
تعضّ عليها نيوب القدر

تلوذين في لهف ضارع.. بكون تسامي نقي الصور
بل، هي هذي المآسي الكبار تعذّب فيك الشعور الرقيق

فتنأين عن واقع راعب إلى عالم عبقري سحيق..
هو الوهم، عالمك الشاعري، المثالي، مسري الخيال الطليق

توحدع فيه بأشواقك الحيارى، بهذا الحنين العميق!
© 2024 - موقع الشعر