تعاويذ على صدرها - فاديا غيبور

لأنني أحبُّها، مدينتي العتيقةَ الأسوارْ،
علقتُ فوق صدرِها طفولتي تعويذةً
وقلت: قد تصونُها أوانَ تهدأُ الرياحُ مرّةً
ومرةً تغيبُ أو تنامْ
فللرياحِ في مدينتي حكايةٌ قديمةٌ
تعرفُها معابرُ الأحلامْ..
وترتمي على تخومِها رسائلُ الغمامْ
كأنها ساحرةٌ جميلةٌ
ترتِّبُ القلوبَ في الظلامْ
إذا رمَتْ فتونَها في غفلةٍ من العيونِ
توشكُ العيونُ ترتدي دموعَها
وتبدأُ الدموعُ بالكلامْ.
* * * * *
لأنني أحبُّها وادعةً كطفلةٍ
رقيقةً كنسمةٍ، دافئةً كقبلةٍ
توزَّعتْ على شفاه عاشقينْ
وريفةً كغيمةٍ ورديةٍ
تبعثرَتْ على مدى كفّينِ من عبيرْ
كخصلةٍ من البهاء ترتمي
على ضفافِ مهدِها الوثيرْ
صباحُها بنفسجٌ مساؤها حريرْ
لأنني أحبُّها
رسمتُ وجهَها على دفاتري،
سميتُها قصيدتي الأحلى
وهاجسي الكبيرْ
ففوقَ أرضِها الخضراءِ كانتْ
صرختي الأولى
وكان حبّيَ القديمُ والأخيرْ
* * * * *
لأنني أحبُّها مدينتي العتيقةَ الأسوارْ
هدهدتُ وجهَها الجميلَ بالرّؤى
ومخملِ الكلامْ
فأشرقَتْ بيوتُها
بضحكةٍ وهمسةٍ وأغنياتٍ
في دمي توقدتْ حروفُها البيضاءْ
كتبتُ ألفَ مرَّةٍ لسورِها رسائلَ الطفولةْ
رسمتُ فوق كلِّ صفحةٍ أيقونةً
لها شموخُ القلعةِ الشماءْ
أحببتُ ماءَها.. هواءَها.. جبالَها الخضراءْ
وكم سريتُ في كرومِها
صغيرةً يجتاحني الغناءْ
وهمْتُ بين وردةٍ ووردةٍ
تفتَّحتْ على جبينِ صخرةٍ صمّاءْ
كم شفني هوىً مشاغبٌ
وشفّ لي هواءْ!
مصيافُ لو فارقتُها
لماتَ في فمي الكلامُ أو..
ذوى في خافقي توهجُ الضياءْ
مصيافُ لو فارقتها
لعدتُ نحوَها على جناحِ الريحِ والأنواءْ
أستغفر الجدرانَ والأبوابَ
والأشجارَ والأطفالَ والنساءْ
وقلتُ:
عدتُ يا مدينتي صغيرةً مجنونةً حمقاءْ
فلتمنحي أصابعي
أضمومةً صغيرةً من زهركِ البريِّ
أو فلتطفئي حرائقي بشربةٍ من ماءْ
ولتمنحي مطالعي أرجوحةَ الرجاءْ
لعل يا مدينتي في حضنكِ الدفيءِ
ليلةً أجوسُ في الأزقةِ العتيقةِ العتيقهْ
وليلةً أمتدُّ مثلَ نخلةٍ
على ضفافِ بوحكِ النديِّ
وكلما تعبتُ من ترحلّي
ما بين ضفةٍ وضفةٍ
صغيرةً مسحورةً أنامْ
صغيرةً أنامْ
مسحورةً أنامْ
© 2024 - موقع الشعر