ثمار الأسئلة - فاديا غيبور

أتوسَّلُ غيماً كان يبللُ روحي، يوغلُ فيها ذاتَ شتاءْ
أستذكرُ نافذة عريتْ من ألوان الوردِ ال.. كانَ يرشُّ علينا
شجرَ الجبلِ الأخضرِ.. كلَّ مساءْ
أسّاقطُ قربَ وريدي اليابسِ عزلاءَ النبضِ
مُبعثَرة الأشلاءْ
أسّاءل حين أرمّمُ بعضي، حين أجمِّعُ كلْي:
منْ أشعلني قبلَ وداعٍ وردةَ شوقٍ؟!
منْ أغراني بحكاياتِ الورقِ الأبيضِ
يومَ قرأتُ كتابَ الوجدِ دموعاً،
يومَ ملأتُ دفاترَ غيمي أسئلة مِنْ توقٍ مجنونٍ
كي أستمطرَ كفَّ الصمتِ الناحلِ حبراً
كوَّةَ عطرٍ، نصفَ سماءْ؟!
من سوّاني ذات حلولٍ حبَّةَ قمحٍ في سنبلةٍ
صارتْ حقلاً ترقصُ فيه الفزّاعاتْ؟!
منْ أعلنني بيدرَ خبزٍ للأطفالِ إذا ما استْلِبوا
مِنْ نبضات الحلمةِ وال.. قبلاتْ
يا.. أنتَ الشاحبُ، أنت اليابسُ مثلَ وريدي!
هلْ جاءتكَ رسائلُ جرحي؟
هل جاءتكَ رسائلُ قلبي الطاعنِ نحوَ فراتِكَ آنَ يغيضُ
وتحترقُ الكلماتُ على شفتيهِ الظامئتينِ
فيفتحُ عينيه الخضراوينِ
ليبكي غَرَباً.. عشباً.. زهراً.. كانْ
يترجَّلُ سربُ أوزٍّ عن أشجار الريحِ
وتركضُ عاشقةٌ بحثاً عنْ مُخملِ ضحكتها
يذوي صفصافٌ منتظرٌ مطراً في صيفٍ آتٍ
يولدُ أطفالٌ فوق رصيف الجوعِ تمرُّ قوافلُ من تمرٍ
وحريرٍ وعطورْ..
والصمتُ يعرِّش فوق مرايا النهرِ كثيفاً
يحتجُّ النهرُ.. يضجُّ.. يثورْ
يتساءلُ:
كيف تحوَّلَ هذا الكوكبُ وهو يحاربُ لغة الشرِّ
وعاءَ شرورْ..
الكلماتُ المحترقاتُ وسِرْبُ إوزِّ بريِّ،
أنثى عاشقةٌ تبحثُ عن مُخملِ ضحكتِها
صفصافٌ ذاو، أطفالٌ منسيّونَ،
قوافلُ يحدوها رجلٌ كفّاه مباركتانِ
صلواتٌ تخفقُ فوقَ مرايا النهِرِ تصيرُ غيوماً
ينهمرُ الغيمُ دموعاً تتسلقُ وجهَ النهرِ.. فيبكي
وعلى زنديِه المرتعشينِ ترفُّ حماماتٌ بيضاءْ
يُنشدُني النهرُ مدائنَ من وجعٍ..
قبّرةً ترحلُ من خوفٍ..
رملاً مكتظاً بأنين نخيلٍ محروقٍ يتقاطرُ رطباً
ممسوساً بالإشعاع النوويِّ..
ويعلنُني بين أساميه القاحلةِ مجازاً لغوياً..
يترهَّلُ قلبي فوق صواريهِ الراحلةِ نزيفاً
حتى حمّى العصرِ الحجريِّ الأول
-لا تلتفتي نحو ضفافِ النهرِ.. ابتعدي
-لا تبني حلماً من صبّارٍ منسيٍّ بين الأوراق..
-ابتعدي..
-لا تبتعدي..
صرخَ الأطفالُ المنغرسونَ حدائقَ وردٍ في الأعماقْ
-لا تبتعدي.. فجنونُ العالمِ يقتلنا يغزو أسرارَ براءتِنا،
يغتالُ أراجيحَ الأحلام وناياتِ العشاقِ العذريينْ
وتمدُّ ذراعيها عشتارُ المسبيةُ فوق ضفافِ النهرِ الباكي
سرقوا أسطورةَ حنطتِها.. غلوا رسغيها بالطعناتْ..
ورمَوْها في عالمِها السفليِّ تفتشُ عبثاً عن تموزٍ آتْ
وصحارى وجعي تتجذرُ فيَّ جنوباً من صلواتٍ
أو مطراً من أدعيةٍ وقرابينْ
يتسامقُ في الشرفات نشيدُ المنتصرينْ
تنهض خيلٌ من كبوتِها ويضوعُ صهيلْ
ينتفض الجبلُ الماردُ ذاتَ دماءْ
ويموتُ بلعنتِهِ التنينْ
أشعلني الجرحُ حقولاً من قمحٍ عسليٍّ
قطعانَ وعولٍ ترسمُ بحراً
وسماءً يانعةً من نازنجٍ يافاويٍّ
أشرعتُ حقائبَ أسمائي.. وبدأتُ أرتبُ صَرَخاتي
هل أطلقُ صرختيَ الأولى نحوَ قبائل هذي الأمّة
هل أنذرُ كلَّ الباقي منها للإنسانِ القادمِ
وهْوَ يؤثثُ بالثاراتِ طريقَ القمّة؟!..
يا.. أنتَ الشاحبُ، أنت اليابسُ مثلَ وريدي..
حتّام تمدُّ إليَّ جذورَ اللهفةِ حين تجيءُ وحين تغيبْ
وتذرُّ رمادي فوق همومِ النخلِ المسبيِّ شمالاً
كي يشهقَ في السَّعَفِ المقتولِ صباحُ دمي
يتكوكبُ أقماراً
تتهاطلُ في ظمأِ الصحراءِ نشيجاً وردياً
يتكسَّرُ فوق حدودِ الجسدِ البدويِّ
وينزفُ أحلاماً، صلواتٍ تتبرْعَمُ بين رمالِ فمي؟!..
من يسمعُ في هدأةِ هذا الليلِ مناجاةَ الأجداثْ؟
من يعرِفُ كيف يمرُّ الشهداءُ ويجتمعونَ لشربِ القهوةِ
كلَّ مساءٍ ومتابعةِ الأحداثْ؟!
من يذكرُ كيف تجفّفُ ضحكتُهمْ
قمصانَ الدمعِ على أجسادِ الأطفالْ،
أو كيفَ يجيئون خفافاً مثلَ ملائكةٍ من نورٍ
هبطوا من ملكوتِ الرحمنِ بوحيٍ:
-اقرأ بسمِ اللهِ كتابَ الأرضِ وفاتحةَ الشهداءْ
واقرأ باسمِ الشهداءِ كتابَ الثورةِ مختوماً بدمٍ رعّافْ
قد أينعتِ الأجسادُ الغرثى من دمِنا
واحمرَّ على الآفاق هتافْ:
-أنْ حانَ قطافٌ يا وطني
قدْ حانَ قِطافْ
© 2024 - موقع الشعر