حصون الأماجد - إبراهيم محمد إبراهيم

يا نصيرَ الضُّعفاءْ
 
يا حبيبَ الفُقراءْ
 
يا مُجيرَ الدُّخَلاءْ
 
يا عفيفاً, ألْبَسَ الرّغْبَةَ عِقداً من نِساءْ
 
يا شريفاً جَعَلَ الذمةَ قوتاً
 
والمروءاتِ حساءْ
 
يا مُضِلَّ الأتقِياءْ
 
زِدْ على ظَهرِيَ سَوْطاً
 
إنك اليومَ أسيري
 
كلما أنزلتَ سَوطاً فوقَ ظَهْري
 
زاد رأسي كبرياءْ.
 
أيها المسكينُ فوقَ الأرض ِتحبو
 
إن نورَ الحقِّ يسري في الفضاءْ
 
فانتفْخ ما شئتَ كِبراً وعُتوّاً
 
ليس في وِسعِكَ إطفاءُ السماءْ
 
ليس في وسعِكَ أن تحجبَ صَوتي
 
إن صوتَ البُلبل ِالغِرّيدِ
 
يَعلو فوقَ صوتِ الببغاءْ
 
لن أريك البسمةَ الصفراءَ حتى تَنتشِي
 
بل لنْ أواري الاستياءِ
 
لا تُساومني على بيع ِيَراعى
 
إنُه أرضي, وعِرضي, ومَتاعِي
 
لَنْ أَخُطَّ اليومَ إلا ما أشاءْ
 
لا تَسلْ عن مذْهبي
 
لا تَسلْ عن مأْربي
 
لا تَسلْ عن كُتبي
 
لا تَسلْ عن حلم ِأُمّي وأَبي
 
لا تَسلْ من كانَ جدّي
 
إنَّ جدّي,
 
جَدُّ كل الأبرياءْ
 
كان يوماً علماً
 
كان يوماً حلماً
 
كان يوماً قلماً
 
كان يوماً,
 
شوكةً في حَلقِكَ الموبوءِ من مصِّ الدِّماءْ
 
كان شعباً, يستريحُ المجدُ في أضلاعِهِ
 
كان غَيثاً يزخُرُ التاريخُ من أوجاعِهِ
 
كان نوراً في جبين ِالكون ِقُدسِيَّ الضَّياءْ.
 
لاتسل عنه, فلن تدري بهِ
 
لم يكن يوماً وسيطاً بين تجار ِالضميرْ
 
لم يكن يوماً أجيرْ
 
لا تسل عنه, فلن تدري بهِ
 
لم يعشْ في الأرض ِجلاداً
 
على الناس ِخفيرْ
 
كل ما يملكُ جدي
 
نخلةٌ,
 
وبعيرٌ صَيْعَرِىٌّ وحَصيرْ
 
رغم هذا صادروا أحلامَ جدي
 
ماتَ جدي,
 
بعدَ أنْ جاء أبي
 
يحملُ الثأرَ صغيراً,
 
وهو لا يدري إلى أينَ المصيرْ.
 
وحملت الثأر بعدَهْ
 
وشرِبتُ الصبر عندَهْ
 
علّني أبلُغُ مجدَهْ
 
ثم ألقيتُ بأحلامي, وآلامي إلى قلبِ عُميرْ
 
ذلك الطفلُ الصغيرْ
 
عَلّهُ يُصبحُ جَدّاً مثلَ جدّي
 
علّهُ يصبحُ شَْعباً
 
هل عرفتَ الآن جدّي؟
 
إنه الطفلُ الصغيرْ
 
إنه الكهلُ الكبيرْ
 
إنه الماردُ يسرى في فضاءاتِ الضميرْ
 
إنه الفتحُ المؤزّرْ
 
إنه النّصر الأخيرْ
 
فانتبهْ يا سيدي,
 
إن جدّي لا يجيدُ الطّعنَ في الخلفِ,
 
ولا يُتقنُ صُنعَ الأقنعةْ
 
فهو رجعِيٌّ, أصوليٌّ قديمْ
 
لا يُبالي بالشعاراتِ الحديثةْ
 
وهو شرقيٌّ
 
يرى في كلِّ وجهٍ مستعارٍ
 
وجهَ شيطانٍ رجيمْ
 
عد الى أصلِكَ دَرءاً للفِتَنْ
 
وانصرِ الأوطانِ ينصرْكَ الوطنْ
 
وانتظرْ من أرضكَ الحُبلى رِجالاً
 
خُدِّروا في كهفِها المشؤوم ِأعواماً طوالا
 
لا نريدُ اليومَ جاهاً
 
لا نريدُ اليومَ مالا
 
لا نُريدُ اليومَ الا عزّةً,
 
تلبسُ ثوباً وعِقالاً
 
آن للمنبوذِ في أوطانِهِ,
 
أن يستعيدَ اليوم دورهْ
 
فأعد للثوبِ عِزّهْ
 
وأعد للعِز ثَوبَهْ
 
آن أن نعلنَ جَمعاً, في عيون ِالصبح ِتَوْبةْ
 
آن أن نقبلَ صيحات ِالتحدي,
 
آن أن ننبتَ في الأرض ِوإلا..
 
برقابِ الذل أولى سيفُ جَدى
 
لا تقفْ كالعارِ تَجْترُّ الخطيئَةْ
 
والقلوبُ البيضُ بالثأرِ مليئَةْ
 
ليس منا, من يُوارى رأسُه وسط الزحامْ
 
ليس منا, من يقول القهرُ في أرض ِالنبوءاتِ مشيئَةْ
 
كلنا عزمٌ, وحزمٌ, وإرادَةْ
 
كلنا كالصبح ِأحلامٌ جريئَةْ
 
كلنا, أصحابُ حق ٍفي أراضينا وأصحابُ سِيادَةْ
 
لا لِترْميمِ المآسي
 
لا لتأصيل ِالعرُوضاتِ المُعادَةْ
 
إنما.. كي نطبع التاريخ حُرّاً
 
فوق هاتيكِ القِلادَةْ
 
كُلّما هبتْ علينا غضبةُ الغربِ ركعنا
 
فجرتْ, كالطبع ِفينا
 
لطمةُ الأعقابِ عادَةْ
 
آه يا عصرَ التناسِى
 
آه يا عصرَ التغاضِى
 
آه يا عصر البلادَةْ
 
تَسخرُ الأحداثُ منا, يالقومي,
 
فَقَدَ الجمرُ اتّقادَهْ
 
أي ماءٍ, ذلك الملعون قد أوهى عنادَهْ
 
أيها الجد الذي قد ضاعَ منا
 
لا تسلْ عن حالِنا..
 
عد إلى الأصنام ِ, أبْشِرْ بالإِفادَةْ
 
هذه البقعةُ غَصّت بملايين ِالجرادْ
 
هذه البقعةُ ضَاقتْ بالعِبادْ
 
هذه البقعةُ غاصَتْ في متاهاتِ الجليدْ..
 
آه يا عَصرْ الرمادْ.
 
زلزلي يا أرضُ, ذوبي يا جِبالْ
 
فعسى أن يسطعَ الفجرُ الجديدْ
 
وعسى أن تسقطَ الأشباحُ من تحتِ الحبالْ
 
وعسى, أن يبعثَ الإحساسَ فينا
 
ماردُ الجد الحفيدْ.
© 2024 - موقع الشعر