يد بيضاء - إبراهيم العريض

(1)
 
بدا من أفقه البدرُ
 
يُسامر جُلاّسَهْ
 
على مهلِ
 
على مهلِ
 
فحرّكَ جفنَه الزهرُ
 
وصَعّدَ أنفاسَهْ
 
من الكللِ
 
إلى القُبَلِ
 
نفض البدرُ على الغُصْ
نِ الذي حيّاه.. نُورَهْ
جاعلاً من أصغر الأَوْ
راقِ في الحُسن نََظيره
مُلْقِياً للزهر دُرّاً
كلّما ألقى عبيره
في رياضٍ نمنمَ اللَّيْ
لُ حوالَيْها سُتُوره
كلّما اهتزّتْ مَعَ الما
ءِ حواشيها المنيره
رقصتْ بين يَدَيْ دا
ئِرَةٍ أُخرى صغيره
وزكا في الليل عَزْفٌ
علّمَ الطيرَ صفيره
كاد يُنسي كلَّ شيءٍ
قلبَه إلاّ سُروره
فمضى يهتف بالحُسْ
نِ ، ويستدعي سميره
صَيْدَحِيٌّ وَدَّ لو شا
طَرَهُ البدرُ شُعوره
من رأى في راحة الأَوْ
راقِ كالطفل سَريره
خافياً يحسبه الشا
عِرُ في الليل ضميره
(2)
 
رأتْه وَسْطَ دنياهُ
 
على الغصن الرَّطْبِ
 
يُمنيِّها
 
بأنغامهْ
 
فلمّا قاربتْ فاهُ
 
طفتْ قُبلةُ الحبِّ
 
على فيها
 
لإكرامهْ
لمح القُمْريُّ خَوْداً
كتم الليلُ سُراها
وأبي الحسنُ بأن يَطْ
ويَ أذيالَ صِباها
يفخر العشبُ على الزَّهْ
رِ إذا مَسَّ خُطاها
ويفوح الماءُ كالمِسْ
كِ إذا قبّلَ فاها
جمدتْ - لمّا التقتْ عَيْ
ناهما - حيث رآها
إنّه يلوي لها الجِيْ
دَ فترعاه انتباها
«ليت شعري ما الذي تَهْ
مِسُ سِرّاً شفتاها؟
هل رأتْني وَسْطَ دنيا
يَ مُطِلاً من ذُراها
أبداً أبتكر النَّغْ
مَة َحُبّاً في صداها؟»
هيَ تصغي لكَ يا قُمْ
رِيُّ فاصدحْ بهواها!
وانْشُدِ الليلَ لماذا
سُمِّيَ البدرُ أخاها
سيلوذ الوردُ بالصَّمْ
تِ.. وتحكي وجنتاها
(3)
 
شدا القُمْرِيُّ بالحبِّ
 
فهل بثَّ أشجاني
 
بتجويدهْ
 
على بانِهْ
 
فقد وَقّع من قلبي
 
على وترٍ ثانِ
 
بتغريدهْ
 
وألحانهْ
 
وشدا القُمْريُّ بالحُبْ
بِ كما شاءت وشاءَ
ناعماً يبعث مُوسِي
قاهُ في النفس هناء
مُوقِظاً في طَرْفها الحا
لِمِ أشباحاً وِضاء
فكأنّ الأرضَ عطشى
صادفت في الشدوِ ماء
واستحالت أنجمُ اللَّيْ
لِ جميعاً شُعَراء
كلُّها تخفق بالحُبْ
بِ ، وتهتزّ غِناء
فأصاخت وَهْي لا تَأْ
لُو بعينيها احتفاء
في يد الظلماءِ حتى
نَشَرَ الصبحُ لواء
صوتُه يغمرها بالْ
لَحْنِ كالماء صفاء
تارةً يملأ أُذْنَيْ
ها وطَوْراً يتناءى
ويداها فوق خَدَّيْ
نِ ، قد احمَرّا حياء
تشهد الظلمةَ نُوراً
وترى الحبَّ رجاء
(4)
 
أفاق الفجرُ من حُلْمِهْ
 
فمن علَّم الشادي
 
يُباكرُهُ
 
يُناديهِ
 
بأن النهرَ من نَظْمِهْ
 
وفي شطرَيِ الوادي
 
أزاهرُهُ
 
قوافيهِ
 
وقف الفجرُ على الوا
دِي مُطِلاً من هِضابِهْ
كأميرٍ عبقريٍّ
زانه حُسْنُ شبابه
فاستفاد الزهرُ من غُرْ
رَتهِ لونَ خِضابه
وكأنّ الفَنَنَ المَيْ
يَادَ نشوانُ لما به
فمشتْ... داعيةً للزْ
زَهْرِ بالسُّقْيا وعُودِه
وفمٌ حولهما لا
يتواني في نشيده
في سرورٍ وابتهاجٍ
ذَكَّرا المرءَ بعِيده
تارةً من وَسَطِ الغا
بِ ، وأُخْرى في حُدوده
ريثما تأتي إلى قَصَ
رِ أبيها في بُنوده
فترى في رَدهْة القَصْ
رِ أميراً في قُيوده
سابحاً في دمه مِنْ
أثرِ الجرحِ بجِيده
حاسرَ الرأسِ يجرّ السْ
سّاقَ جَرّاً في حديده
أسروه بعد أن فَجْ
جَعَ في خير جنوده
فإذا مرّوا به.. أَلْ
قَتْ على دامي جُهوده
نظرةً تَنزل كالطْ
طَلِّ على قلب عَميده
(6)
 
تملّكَ حبُّه قلبي
 
ففوق الدمعِِ جفني
 
ومن سِلْكِهْ
 
على دُرِّ
****
وما ينفعه قُربي
 
إذا لم يُمَكِّنّي
 
على فكّهْ
 
من الأسرِ
 
وأحبّتْ «طارقاً» بِلْ
قِيسُ من أَوّلِ نَظْرَهْ
فَهْيَ من شُرفتها تَرْ
قُبُ في البُرْج مَقَرّه
وَهْي في خلوتها تُحْ
يِي مع الأنجم ذِكْره
كلّما ناجت أخاها
غمرَ الإشفاقُ صدره
وتوارى خلفَ رقْرا
قٍ؛ من الغيمِ بحَسْره
كعذارى الديرِ لا يَمْ
لِكْنَ دفعاً لمضرّه
كيف تُفضي بهواها
إنها تخشى المَعَرّه
«أيّها القَسُّ الذي لم
ينسَ في الآحاد بِرّه
النواقيسُ تُدوّي
والترانيمُ مَسَرّه
وملاكي .. في صلاةٍ
تملأ العينين عَبْره
ليتها تبلغ مَنْ شا
طَرَهُ قلبيَ أَسره
أفلا تدعوه أنْ يَرْ
فَعَ (للعذراء) «شُكْره»
(7)
 
قضى في الأَسْر أياماً
 
كأنّ اليومَ شهرُ
 
من الطولِ
 
بظلماءِ
 
ولا يقتات إلاّ ما
 
يُموّنُهُ الأَسْرُ
 
مِنَ الفولِ
 
مع الماءِ
 
ويمرّ اليومُ تلوَ الْ
يَوْمِ رَهْناً بشَكاتِهْ
هي في فردوسها تَجْ
ني بخوفٍ ثمراته
والفتى عن عالم الفِرْ
دَوْسِ مشغولٌ بذاته
يبزغ النورُ عليهِ
سارحاً في ظُلُماته
يائساً في غمرات السْ
سِجنِ حتّى من نَجاته
فإذا اشتدّ عليه الضْ
ضَغْطُ من جَوْر عُداته
عاذ بالفُرْقان يَسْتَفْ
تِحُ في لَمّ شَتاته
قالتِ الغادةُ: «ما أَمْ
عَنَ قومي في أَذاته!
آهِ! كم حاولتُمُ أَنْ
تفتنوه في صلاته
هل رأيتُم نورَ ما يُضْ
مِرُهُ في نَظراته؟
إنه يؤمن بالحُبْ
بِ ، ولكنْ في صفاته
فدعُوه لحياتي
ودعُوني لحياته»
(8)
 
سلوا عن مهجتي خَبَرَهْ
 
فِلمْ يختصُّ دوني
 
بإحساسهْ
 
وآلامِهْ
 
دعوني أقتفي أثرَهْ
 
وإلاّ أَسْعِدوني
 
بأنفاسِهْ
 
وأحلامِهْ
 
بَدّدتْ محكمةُ التَّفْ
تِيشِ آمالَ الحزينَهْ
ليس يُرضيهم سوى أَنْ
يُنكرَ المسلمُ دينه
وأبى طارقُ أَْن يُلْ
بِسَ بالشكّ يقينه
أإذا لاح صليبٌ
مرّغَ الجبهةَ دونه؟
هو لن يُشركَ بالْ
لَهِ ولو ذاق مَنونه
وقضاها ليلةً لا
يطرق النومُ جُفونه
في اجتلاء البدرِ حتى
كاد ألاَّ يَستبينه
شاخصاً.. في ومضات الْ
بَرْقِ يجتاز سِنينه
سَنَةٌ يبسم منها
سَنةٌ تُندي جَبينه
إنه يذكرها الآ
نَ ، ولا ينسى فُتونه
عندما شارف قُرْصُ الْ
بَدْر أسوارَ المدينه
كيف ناجاه من الخَنْ
دَقِ طيفٌ بسَكينه
(9)
 
تَخلّلَ سجنَه نورُ
 
أخيطُ الفجرِ ذلكْ
 
على الأفقِ
 
كإيمانِهْ
وحدّقَ وَهْو مذعورُ
 
ووجهُ الليلِ حالكْ
 
إلى الشرقِ
 
بإنسانِهْ
 
يا له صوتاً رقيقاً
ذاب في أُذْنَيْه طَلاّ
قبل أن يدهمَه الفَجْ
رُ ، فلا يملك حَلاّ
إنه يدعوه أن يَلْ
تَقِطَ الحبلَ مُطِلاّ
فإذا أوثقه مِنْ
نفسه رَبْطاً تَدلّى
ولوى طارقُ بالحَبْ
لِ على الكفِّ وتَلاّ
فرآه مُحكَمَ الشدْ
دِ ، فسَمّى واستقلاّ
كلّما أمسكَ جُزءاً
منه عن جزءٍ تَخلّى
هالهُ البعدُ فغضّ الطْ
طَرْفَ خوفاً أن يَزِلاّ
وتَقرّى حائماً بالْ
لَمْس للوطء مَحَلاّ
ريثما أثبتَ خُفّيْ
هِ على الأرض وحَلاّ
ثمّ ألقى طرفَه حَيْ
ثُ الدجى أعمقُ ظِلاّ
فإذا طيفُ فتاةٍ
تبهر العينين دلاَّ
(10)
 
ظفرتُ بمُنْيَتي لمّا
 
رمى بالحبل جَنْبا
 
على حَيْرَهْ
 
وحاذاني
 
فسمّى لي بما سمّى
 
وفاض القلب حُبّا
 
مع النظرَهْ
 
إلى الثاني
 
ودنا منها بوجهٍ
باسمٍ.. يُخفي ذهولَهْ
شاعراً في القلب مَعنًى
عاجزاً عن أنْ يقوله
فرآها في لباسٍ
قَلّدَ الطاووسُ طوله
آيةَ الطهرِ إذا جَرْ
رَتْ على الأرض ذُيوله
والتقتْ بالنظرة الأُخْ
رَى فلم تُخْطئ مُيوله
ذكّرتْهُ ثانياً في الطْ
طِيب أحلامَ الطفوله
ورأتْ فيه فتىً مَهْ
هَدَ للمجد سَبيله
تتمنّى الغِيدُ لو تَظْ
فَرُ منه بوسيله
اصبِري! أُلهِمتِ بِلْقيْ
سُ من الصبر جَميله
لا يدوم الوصلُ هذا
غيرَ ساعاتٍ قليله
فلسانُ الفجرِ في الشَّرْ
قِ، يُمنّيكَ البطوله
كاد أن يطغى على اللَّيْ
لِ سَناه فيُزيله
(11)
 
حياتي فيضُ كفّيكِ
 
فلا أدري بماذا
 
أجازيكِ
 
أفيديني
 
فؤداي بين عِطْفيكِ
 
وحسبي بعضُ هذا
 
بناديكِ
 
إلى حينِ
 
قال: «سُبحانَ الذي زَكْ
كَى وجودي بحنانِكْ
بعد أن ذقتُ الأمَرَّيْ
نِ ، فلم أحفل بذانك
ليت شعري إنّ من كا
نتْ على رفعة شانك
كيف تُنسَى يدُها البَيْ
ضاءُ.. ملأى بجُمانك
فاسمحي بلقيسُ! أنْ أَلْ
ثِمَ أطرافَ بَنانك»
بقيتْ بعدكَ - يا طا
رِقُ - حيرى في مكانك
هل سألتَ الأُفْقَ عنها
إذ توارت عن عِيانك
كلّما أبعدتَ عنها اضْ
طَرَبتْ مثلَ عِنانك
إنّها تذكر بالحُسْ
نَى على دُرِّ بيانك
قُبْلةً أودعتَ فيها
شاكراً كلَّ امتنانك
واستفاض الصبحُ ضوءاً
واختفى صوتُ حِصانك
وَهْي تدعو: «يا إلهَ الْ
حُبِّ، خُذْهُ في أمانك!»
© 2024 - موقع الشعر