نصيحة محامية عاقلة! - أحمد علي سليمان

النصحُ كم يَعِظ النسا ويُهذبُ
ويُجيرُهن مِن البَلا ويُؤدبُ

ويَرُدُّ غاشمة لحازم رُشْدِها
ويُريحُ حائرة تكِدُّ وتتعب

ويَصُدُّ جهلاً أحرقتْ نيرانُه
أمَة بجائحة الأذى تتلهب

ويُعِيدُ حقاً رغم شِدة غاصب
بُعداً لمَن يَئِدُ الحقوقَ ويَغصِب

وقرأتُ ما خطتْ محامية وَعَتْ
لمُصاب (حواءٍ) ، فباتتْ تكتب

وغدَتْ مقالتُها نذيراً صادحاً
يَهَبُ الجراحَ علاجَها ويُطبِّب

زُبَدٌ مِن التبصير تلفِتُ مَن غَوَتْ
وتشُدُّ مَن تهوَى الوضوحَ وترغب

هيَ قد أبانتْ كل غامِضةٍ ، لِذا
خرجَتْ نصيحتُها رشاداً يُطلب

هيَ ناولتْ توضيحَها لم تدَّخِرْ
نصحاً ، فإن النصح كم يتوجب

هيَ لم تُراهنْ في الجدال على هوىً
يُردِي الحقيقة عامِداً ويُغيِّب

عابتْ طلاقاتٍ تَفاقمَ عَدُّها
وكأن جيلاً بالشعائر يلعب

هل بات وحيُ الله مَدعاة إلى
هزل يُمارسُه غواة خُيَّب

الله قد شَرَعَ الطلاقَ لعِلةٍ
وضَحَتْ قرائنُها ، فليستْ تُحجب

يُغني كلا الزوجين إنْ يَتفرَّقا
مِن فضله ، نِعمَ الصُّوَى والمَذهب

ليس الطلاقُ لجلب ظلم أو أذى
أو غصب أملاكٍ لمَن يتغلب

ليس الطلاقُ لكي يُدان مُبَرَّؤٌ
مِن ظلم فضلى ، أو يُبرَّأ مُذنب

ما هذه الفوضى؟ وماذا بعدها؟
إني على نِسوان قوميَ أعتِب

حتى متى هذا الشقاءُ مُخيماً
والتيهُ مُدَّ لمَن يُحِبُّ فيَضرب؟

نِسَبُ الطلاق تضاعفتْ أعدادُها
إني لأنكِرُ ما أراه وأشجُب

يا أختُ صبراً ، فالمشاكلُ ما نجا
منها بُييتٌ ، لستُ في ذا أكذب

كلُّ البيوت لها مشاكلها التي
ما شذ عنها مَشرقٌ أو مَغرب

فلئن صبرتِ على حليلكِ مثلما
تُبدِين صَبراً في المحاكم يُندَب

وإذا دعا القاضي ، وأغلظ قوله
ألفِيتِ طائعة تخافُ وتَرهَب

وإذا يَعيبُكِ في الفعال أتيتِها
أرهفتِ سَمْعَكِ للفِعال تُعَيَّب

وأتيتِ للجلساتِ أجملَ غادة
وعيونُ مَن حَضروا إليكِ تُصَوَّب

هلا لزوجكِ كان حُسنُكِ زائناً
فلئن فعلتِ فكيف بيتٌ يُخرب؟

ورسومُ أتعاب القضايا عَنفتْ
عَجلى لتنفيذ الطلاق تُرتب

وسألتُ عاقلة شهدتُ طلاقها
ما الربحُ من هذا؟ وماذا المكسب؟

قالت: وربي خيبة وندامة
وخسرتُ بيتي ، والعِيالُ تعذبوا

وشماتة الأعداء تُحرجُ خاطري
وحُزونُ أقوام إليهم أنسب

أنا ما جنيتُ سوى الضياع بضاعة
غرقتْ سفينتُنا ، وضَلَّ المركب

يا معشرَ النسوان تلك نصيحتي
أنا لستُ أوجاعَ النساء أقلب

أنا لستُ أختارُ الطلاق وسيلة
لعلاج مشكلةٍ تُشينُ وتُعطب

واليوم سُوقُ (البكر) راجَتْ وانتشتْ
وتذوقُ غائلة البَوار الثيِّب

شبَحُ العُنوسة في الديار مُرَوَّجٌ
وله دَهاقنُ في الخفاء تُؤلب

هم شرُّ دَلالين قد وطئوا الثرى
والبعضُ يَصطنِعُ الجفا ويُخبِّب

بلغتُ ، واللهُ المُهيمنُ شاهدي
يا رب أصلحْ ما الطلاقُ يُخرِّب

مناسبة القصيدة

(إنها رسالة رزينة جداً من محاميةٍ واقعيةٍ عاقلةٍ حكيمةٍ للزوجات الساعيات إلى الطلاق! تقول وبالنص: (أنا كمحامية ليس مطلوباً مني تفصيل قانون على مقاسك يا أختاه ، بل المطلوب مني بذل المجهود والاهتمام بالقضية ، حتى أكون قد أديت واجبي تُجاهك! لكنْ لي كلمة حازمة مقنعة للزوجات! أخاطب كل واحدة منهم فأقول: يا أختاه ، لو صبرتِ على زوجك مثل صبرك على محاميتك ، فمن الممكن ألا تذهبين إلى المحكمة يوماً من الأيام! ولو أن كل زوجةٍ لبستْ لبساً حلواً مهندماً وجميلاً في بيتها ، كلباسها عند ذهابها إلى المحكمة ، ولو اهتمت بنفسها وبتفاصيل حياتها الزوجية ، كاهتمامها بالقضايا التي تنتوي رفعها ضد زوجها ، فإنه من المؤكد أن زوجها لن ينظر لغيرها مطلقاً! ولو عاملت زوجكُ بنفس الطريقة التي تعاملين بها الحاجب وسكرتير الجلسة والقاضي والمستشار ، عندما يصيحون فيك صياحاً يملأ ساحة المحكمة ، وحضرتك رغماً عنك تحافظين على الهدوء لدرجة أنك تنافقين! نعم تنافقين بكل ما تعنيه الكلمة من معان. لأنك رغم غيظك وقهرك منهم تتكلمين معهم بمنتهى التحفظ والذوق والاحترام! وتبتسمين إبتسامة صفراء ليست من قلبك بالطبع ، حتى تنجزي مصلحتك عندهم! ولو كان هذا رد فعلك عندما يغضبك زوجك كان سيمتنع عن إغضابك ، وسيحاول إرضاءك بأي شكل متاح وبكل طريقة ممكنة. ولو صبرت على مشكلات البيت كصبرك على عناء الطريق للمحكمة ، وانتظارك لموعد الجلسة ، وبنفس الحكمة والعقل والرشد ، فمن المؤكد أن المشاكل جميعها كانت ستُحل! وكذلك تحمل العناء في بيتك هو بطيعة الحال أسهل من تحمله في المحاكم ، ومجاملتك لزوجك في البيت ليست نفاقاً ، كمجاملتك نفاقاً لأي شخص في المحكمة! تذكري جيداً لحظة دخول القاضي للجلسة ، فإنك تلتزمين الصمت ، أنت وكل الموجودين في القاعة ، تغلقين جوالك غصباً عنك ، بالأمر المشدد ، مع أن زوجك لم يطلب منك يوماً إغلاق الجوال! وكذلك تلبية طلبات البيت والأطفال وطلباته فلماذا تتعصبين وتنكدين عليه وعلى الأولاد ، لمجرد أنه طلب منك الاهتمام بواجباتك الأسرية ، ذلك الاهتمام الذي أنت موجودة لأجله لا لأجل التلفون والتطبيقات والصاحبات. المقصود من الكلام يا أختاه هو أن صبرنا على أنفسنا أحسن وأفضل من صبرنا في المحاكم ، وليكن معلوماً أن بيوتنا أمانة في رقابنا!) وكانت هذه المحامية العاقلة الحكيمة قد أوردَتْ في رسالتها - للمطلقات والمختلعات وللراغبات في الطلاق - حواراً دار بينها وبين إحدى المطلقات! وقمتُ بتضمين فكرة الحوار وزبدته في القصيدة ، حيث إنني وجدتُ فيه تلخيصاً مبسَّطاً ورائعاً لفكرة القصيدة كلها! أشكر المحامية الفاضلة ، وقد أوردتُ نصيحتها كما هي إلا من تصحيح لبعض الأخطاء اللغوية والإعرابية والأخطاء الإملائية! وأنشد في هذه النصيحة الرزينة الهادفة الفذة هذه القصيدة!)
© 2024 - موقع الشعر