أخبره أني أخته! - أحمد علي سليمان

خَبرتُ بأمْرك يا مُصلِحَة
وأعجبني القولُ ، ما أملحَهْ

وأرهفتُ سَمْعي لمَنطوقه
فكان الجديرَ بأن أمدحَه

فقلتُ: ألا كَرِّري نصهُ
وقلبي تعَشَّمَ أنْ أشرحه

لعلي أفكِّرُ فيما حوى
مِن الفِكَر الفذة المُفصِحة

عليكِ مِن الثوب مَستورُه
وما كنتِ بالسلفع المُسفحة

وكم مِن وشاح طغى سِترُه
فبُوركتِ يا رَبة الأوشحة

وقالوا: أتيتِ الغداة ضحىً
فشرَّفتِ غادية مُصبحة

وقلتِ: وقولك مُستغلقٌ
عليهم ، فما فيه مِن صَحصحة

لحُرَّاسِيَ المجدُ إذ جئتِهم
فواللهِ ذي جيئة مُفرحة

وقولكِ يهزمُ جيشَ العِدا
ويُودي كلامُكِ بالمَسلحة

ولو أن جُندِي دَرَوا شأنه
لكان أشدَّ مِن المَذبحة

حنانيكِ هذا الكلامُ سبا
جِناني ، فردَّدتُ: ما أوضحه

جميلُ العبارة ، عذبُ الشذى
تأملتُ فيه لأستروحه

يُذكِّرُنا بالمآل الذي
حقيقٌ على النفس أنْ تُصلحه

وإلا فعُقبى التردِّي لظى
بحال مِن الذل مُستقبحة

وأغلالُ تُورثُ نفسي الأذى
وتجعلها – في البلا - مُقمَحة

معانيكِ تأسرُ مَن ذاقها
وأما المُراد فما أفصحه

وَعَيتُ مُرادكِ أختَ الهُدى
وأدركتُ ما فيه مِن مَصلحة

فأختي لآدمَ ، أسدي لها
عطاءً ، تِجارتُه مُربحة

سأسعدُ قلبَكِ يا أختنا
بجُودٍ تُسرِّين أنْ أمنحه

لأنكِ جئتِ بقول سما
وكان أشدَّ مِن الأسلحة

تربَّعَ في القلب مضمونُهُ
ودُراتُه تُشبه المِسبحة

أمرتُ بأجمالَ في نوقِها
وبعضِ الغنيمات يا مُصلحة

وقلتُ: مِن المال أعطوا لها
كما تشتهي الفذة الدردحة

ليوم التلاقي أزيدُ العطا
فما أجملَ الجودَ بالبحبحة

سينفدُ - والله - ما عندنا
لماذا التناوُشُ والدردحة؟

وللشح قومٌ ترَدَّوا به
فهيهات للأجر أن يربحه

سوى مَن يجودُ على سائل
ليُدركَ مِن جُوده مَطمحَه

ويبقى الذي عند رب الورى
لتحظى به الأنفسُ المُفلحة

مناسبة القصيدة

(عسيرٌ على النفس أن تُعاني وتستعين بالآخرين في تزليل صعوباتها وحل مشكلاتها! ولكن ما باليد حيلة! وهذه امرأة ضاقت بها السبل ، فعمدتْ إلى رجل يملك قلباً رحيماً! وكان عند ظنها ، ونفعها الله به ، فأكرمها وأجزل لها العطاء! نعم امرأة مسكينة ضاقت أحوال زوجها وضوعفتْ أسقامه ، فذهبتْ إلى بيت رجل ميسور الحال مرتين في الغدوة وفي الصباح في يومين متتاليين ، في المرة الأولى كان الرجل الميسور هذا في رحلة صيدٍ في البرية ، وفي المرة الثانية طرقتِ الباب ، فخرج أحد الخدم ، وقال لها: ماذا تريدين؟ فقالت: أريد أن أقابل سيدك! فقال: من أنتِ؟ قالت: أخبره أنني أخته...والخادم يعلم أن سيده ليس عنده أخت. فدخل ، وقال لسيده: امرأة على الباب تدَّعي أنها أختك. فقال: ما وصفها؟ قال امرأة حشيمة عليها أوشحة ، وصوتها أسيفها لا نكاد نفهم منه شيئاً! فقال: أدخلها! فدخلت فقابلها بوجهٍ هاش باش ، وسألها قائلاً: من أي إخوتي يرحمك الله؟ فقالت: أختك من آدم. فقال الرجل الميسور في نفسه امرأة مقطوعة ، واللهِ سأكون أول من يصلها. فقالت: يا أخي ربما يخفى على مثلك أن الفقر مُرُّ المذاق ، ومن أجله وقفتُ مع زوجي على باب الطلاق! فهل عندكم شيئٌ ليوم التلاق ، فما عندكم ينفد ، وما عند الله باق! قال: أعيدي. فقالت: يا أخي ربما يخفى على مثلك أن الفقر مرُّ المذاق ، ومن أجله وقفت مع زوجي على باب الطلاق ، فهل عندكم شيئٌ ليوم التلاق؟ فما عندكم ينفذ ، وما عند الله باق. قال: اعيدي ، فأعادتِ الثالثة. ثم قال في الرابعة: أعيدي! فقالت: لا أظنك قد فهمتني ، وإن الإعادة مذلة لي ، وما اعتدت أن أذل نفسي لغير الله. فقال: والله ما أعجبني إلا حُسنُ حديثك ، ولو أعدتِ ألف مرة ، لأعطيتك عن كل مرةٍ ألف درهم! ثم قال لخدمه: أعطوها من الجمال عشرة ، ومن النوق عشرة ، ومن الغنم ما تشاء ومن الأموال فوق ما تشاء ، لنعمل شيئاً ليوم التلاق ، فما عندنا ينفد ، وما عند الله باق!)
© 2024 - موقع الشعر