رسالة منتقبة حكيمة! - أحمد علي سليمان

تزوجْ ، ودعْ عنك ما تدّعي
وأشفقْ على قلبك المُوجَع

فقلبي وَعَى كلَ ما قلته
وعقلي تدبّرَ فيما تعي

لماذا تُغالط يا صاحبي؟
وليس الذي قلتَ بالمُقنع

تُريدُ الصبيَّ ، وذا مًطمحٌ
ونِعمَ الإرادة مِن مَطمح

بذلتَ الكثيرَ لتحقيقهِ
وفاضتْ - لِمَا ترتجي - أدمُعي

لذا امتُحِنَ الحبُ في مُقتل
وعَذبتُ قلب المُعنّى مَعِي

وغلّفتُ بالدمع أرجى الدعا
وقلتُ: أيا نفسُ لا تجزعي

وأيقنتُ بالعُقم مقرورة
وإن جَندلتْ صَدمَتي مَضجعي

وأشهدتُ ربي على أنني
رضيتُ ، وإن خانني مًدمعي

تزوجْ بفضلى لها همة
لتُرزقَ بالطفل يا ألمعي

وتُسعِدَ دَارَك أطفالها
وتُصبحَ فيها الأبَ اللوذعي

أنا لستُ غضبى ، فكنْ واثقاً
وخطط لمَأملك المُزمَع

كفاك السِنيّ العِجافُ انقضتْ
بأتراحها والأسى المُدْقِع

ولم تعترضْ قط ، أو تمتعِضْ
وما قلتَ ما يَبتلي مَسمعي

وراجعتُ نفسي ، وآخذتُها
وقلتُ: أيا نفسُ لا تهجعي

فما كنتِ للزوج غشاشة
وما كان سَمتَك أن تخدعي

حنينُ الأمومة لم يرتحلْ
بظِل الغلام ألمْ تطمعي؟

وما بعتِ أخرى بدنيا ، لذا
من الصدق في الحب لم تشبعي

وما كنتِ – للخذل - توّاقة
حنانيكِ بالقيّم الطيّع

دَعِيه يُعَرّسُ ، واستبشري
بعيش رغيد الهنا ممتع

ألم يَشترعْ دينُنا أربعاً؟
أم اْن التعددَ لم يُشْرع؟

له أربعٌ دون أدنى مِرا
وكم في بُييتكِ من مَرجع

أقولُ: تزوجْ ، وكُنْ عادلاً
فنحن اثنتان أيا زوجُ ع

فعدلك بين اثنتين إذنْ
يسيرٌ عليك ، ولا أدّعي

إذا الظلمُ بين اثنتين بدا
فكيف ترى قيّمَ الأربع؟

فأبرمْ قرارَك مسترشداً
وحَصّلْ حَصاناً رزاناً معي

وأهديك أزكى السلام الذي
يُوافيك بالحَل والمَفزع

مناسبة القصيدة

(الحِكمة في الرجال كثيرة ، فكم سمعنا بحُكماءٍ كثيرين هنا وهناك! ولكن الحكمة في النساء قليلة! وحكيمة قصيدتنا بلغتْ من الحكمة مبلغاً عظيماً لم يبلغه بعض الرجال ، ولا معظم النساء! فقد غلبتْ صوت الشرع والعقل المنضبط بالشرع معاً! فكانت النتائجُ إيجابية! قياساً على غيرها من الحمقاوات المُتهورات في الموقف ذاته! وتبدأ قِصتُها عندما أعجبَ بها أحد الصالحين الطيبين الموفقين ، وأخِذ بنقابها وحِشمتها! وبعد سؤاله عنها ، علمَ أنها طالبة علم ودين ، كانت قد ضمّت إلى حِشمتها ووقارها العلم الشرعي ، ليس هذا فقط ، بل كان لها لونُ اجتهادٍ في الإسلام! حيث إنها كانت من الداعيات الصالحات ، في محيط أسرتها وفي قريتها المتواضعة! مما جعله يشغفُ بها أكثر! فقررَ الزواجَ منها! فذهبَ إلى أهلها ، وخطبها منهم بلا ترددٍ ، مُلبياً لهم الشروط التي يريدون ، وأقدره الله تعالى على الشروط الجاهلية المُجحفة ، التي لم يكن شرط منها في الشرع ، كما لم يكن شرط منها يُعبّر عن ابنتهم العروس الموفقة الصالحة! إنما هو استسلام الأهل لعُرف الجاهلية ، الذي حاولتِ ابنتهم صرفهم عنه ، لكنه إيمانهم بالعُرف ، واستسلامهم له ، وتحاكمهم إليه ، كان أقوى من إيمانهم بالله تعالى ، واستسلامهم له ، وتحاكمهم إليه عز وجل! وإنما نفذ لهم شروطهم حُباً في ابنتهم وتعلقاً بها ، فضحّى بالكثير من أجلها! وتم الزواجُ المباركُ الميمون! وبعد سنين عدداً ، لم يرزقه الله منها الولد ، فلقد كانت عاقراً! والتمس الطب والعلاج والتداوي ، فذهب بها إلى أعلم الطبيبات وأدق المعامل ليبدأ رحلة علاجها ، ولكن خابت آماله وخبتْ طموحاتُه! حيث حال العُقم دون تحقيق أدنى نجاح يُذكر! فقررَ - لفرط حبه لها - أن يعيش معها بلا ولد! ولكن على الأيام خانه عزمُه ، حيث اكتشفتْ زوجتُه تولهه بالأولاد ، ورغبته الجامحة في أن يكون أباً! واستنتجتْ ذلك الحال وتلك الخصيصة من أحواله ، عندما يزورُهم ضيوفٌ لهم أولاد! فكتبتْ له رسالة حكيمة تحضّه فيها على الزواج من الثانية ، وجعلتْ هذه الرسالة مباشرة على هاتفه ، فلم تستأمنْ عليها أحداً وعرضتْ عليه خيارَ إبقائها في عِصمته إن رغب ، أو تطليقها إن رغب في الخلاص منها وإنهاء علاقتهما الزوجية! وأعلمتْه أنها توافقُ على حل (الزوجتين)! لكنّ صاحبها أعرضَ ونأى بجانبه ، مُعلناً حبه لها واحترامه ، وأنه قد اكتفى بهذا الحب الجميل ، وتلك العشرة الطيبة عن طلب الأولاد! وأنه استسلم لقضاء الله وقدره راضياً بما كتب الله له من النصيب! فمازالتْ تُكرر رسالتها ، وتُلح عليه إلحاحاً ، وتطلب منه التفكير ، وزادتِ الأمرَ وضوحاً من أنها تحب الأولاد هي الأخرى! وزللتْ له السبيلَ ، موضحة أن الشقة مؤلفة من غرف ثلاث ، فليكن للزوجة الجديدة إحدى هذه الغرف! وأشارت عليه أن يدرس الأمر ويستشير العقلاء المحترمين الدينين من أصفيائه وأصدقائه ، وأن يستخير الله رب العالمين! ففعل ، واقتنع بالزواج عليها برغبتها! وإمعاناً منه في تطييب خاطرها ، أوكلَ إليها تلك المهمة من أن تختار هي ضُرتها ، وأن تكون طالبة علم مثلها! رغبة منه في تقليل المشاكل والقلاقل فيما بعد! وقد كان ، حيث اختارتْ له إحدى تلميذاتها من طالبات العلم ، كانت قد فاتها قطارُ الزواج ودخلت عقدها الثلاثين! وأرادت له أن يُضاعف أجره عند الله في التفريج على أختها العانس وفي طلب الولد! وتم الزواجُ ، ورزقه الله منها الأولاد! وكانت عِيشة الزوجتين أقربَ إلى قصص الخيال العلمي وخيالات الشعراء ، منها إلى الواقع المعاش! نعم كانت قصة هذه المنتقبة أقرب إلى قصص ألف ليلة وليلة ، منها إلى الواقع! والذي عناني من هذه القصة هو (رسالتها إليه) ، وإن كانت القصة جميلة بشخصياتها وأحداثها والدروس المستفادة منها! تلك الرسالة التي لم يكن لي شرف تكحيل عيني بكلماتها ، بل تخيلتُ ما جاء فيها! فرحتُ أعيد صياغة الرسالة شعراً! الرسالة لا القصة! فكان تركيزي على نص الرسالة التي كتبتها له تحضه على الزواج من الثانية ، منشرحة بذلك نفساً ، ومرتاحة لذلك قلباً ، وطيبة بذلك خاطراً!)
© 2024 - موقع الشعر