لك حبي واحترامي! - أحمد علي سليمان

سنابلُ القمح في كفيكِ كالذهبِ
تُزري يُنوعتُها بالجوع والسغبِ

يا مَن مَلأتِ حياتي بهجة وهنا
يا رَبّة الخُلُق الرفيع والأدب

أجِلّ قربَكِ مُختالاً بعِشْرتنا
والقلبُ يَهواكِ عن حُب وعن رَغب

ولا ألامُ على القربى بلغتُ بها
شرافة العِز في مُحلولكِ الكُرَب

فحُبّكِ اليوم يَهديني السبيلَ إلى
تدارُكِ الفوْت يُنسِيني أسَى نَصَبي

لولا ودادُكِ – بعدَ الله - عَوّضني
عمّا ألاقيهِ مِن قهر ومِن غلب

لولا وُقوفكِ جَنبي في مفاصلتي
لزوجةٍ لعبتْ بالحب والنسَب

سَقيتِني الحُب والتقديرَ بعد شقا
بُليتُ منه بألوان من النوب

كم لمْتُ نفسي على التقصير فيه خبَتْ
حتى ارتضيتُ لها معيشة العَزَب

كم احتملتُ نشوز الزوج محتسباً
نشوز زوجة عبْدٍ أشرسُ العِيَب

كم اصْطبرتُ لعلّ اللهَ يُصْلحُها
ومَن يُكابدْ مَرارَ الصبر يكتئب

كم التمستُ هداها عند خالقها
وكم تركتُ اعتراضي العفَ عند أب

وكم بذلتُ لها نصحي وتذكرتي
علّي أبوءُ مِن الرّعناء بالحَدَب

وكم أبنتُ لها استياءَ ذي نُبُل
وكم لجاهلةٍ صَرّحْتُ بالسبب

وكم تلظيتُ في نيران صَولتها
وكم صُلِيتُ بأشواظٍ من اللهب

وكم عجبتُ لمن باعتْ قرابتنا
ومَن تبعْ أهلها تُذمَمْ وتُجْتنب

وشيجة الدم لم تردَعْ تعنتها
أليس في عقلها شيءٌ من اللبب؟

وكم سَخِرتُ مِن الشقيّة افتتنتْ
بالمال حِيز لها والدار والذهب

وكم هزئتُ بمن عافت محبتنا
والعيشُ إن يُمتزجْ بالبُغض يضطرب

تمردتْ ، وعتتْ عن عَيش باديةٍ
وما استكانتْ لمَا أسْديتُ مِن عتب

وَيْلُمّا برزتْ بالسوء جاهرة
فما المبرر يا سريعة الغضب؟

ماذا استفدت من الآلام لاعجة
تُفضي إلى لعنة الشكوك والريب؟

حوّلتِ عيشي جحيماً لا يُضارعُهُ
عيشُ تمرغ في التكدير والنصب

باءتْ حياتي بأوجاع أكابدُها
في لجّة القهر والتعذيب والوَصَب

حتى ظفرتُ بمن تحلو الحياة بها
وليس بينكما شيءٌ من النِسَب

شتانَ بين حَصان طابَ مَحْتِدُها
وفي الذؤابة في أصل وفي نسب

وبين ساقطةٍ في الغي سادرةٍ
وإن تكن من ذوات الجاه والنسب

جَفاءُ عِشْرتها أصابَ هيبتها
في مقتل ، فدهاني سوءُ منقلب

واليوم ودّعتُ ما عاينتُ من إحن
وغرّدَ العيشُ بالترجيع والطرب

اليوم رفرفتِ الآمالُ ضاحكة
وهرولَ السعدُ في بُحبوحة الخبب

وأشرقتْ شمسُ أيامي ، فما أفلتْ
والشملُ إنْ تبسُمِ الأحوالُ يرتئب

أبدِلتُ مِن زوجةٍ لم تحترم ثقتي
بزوجةٍ كِلمتي كالأمر والطلب

يا زوجة غمرتْ عَيشي بطِيبتها
لكِ احترامي وحبي يا ابنة العرب

وعشتِ لي سَنداً في العيش أكْبرُهُ
عسى تطيبُ به لواعجُ النُدَب

أدامَ ربكِ ما تُزجين من مِنح
وحقق الله ما نرجو من الأرب

مناسبة القصيدة

(تزوج ذلك الطيّبُ الموفق من ابنة عمه ابنة البادية ، ظناً منه أنه يجمع بهذه الزيجة بين مزايا ثلاثٍ ما جُمعتْ لأحد قبله ، ولن تُجمع لأحدٍ بعده إلا أن يشاء الله تعالى: الأولى حبه لها ، والثانية كونها ابنة عمه فهو أولى بها وهي أولى به ، والثالثة أنها ابنة بادية ، وهو بدوي يرعى غنمه ويزرع أرضه! فلن تكون هذه البيئة مُغايرة لحياتها! ولكن للأسف الشديد خاب ظنه خيبة لا حدود لها! لماذا؟ والجواب لأن عروسه البدوية ابنة عمه التي أحبها تمردتْ على نفسها وعليه وعلى البادية وعلى القرابة وعلى الحب! وحولتْ بتمردها هذا حياته إلى جحيم! فتوسّم خيراً في عم له يسكن الحاضرة أن يزوّجه ابنته الحضرية! فعرض الأبُ على ابنته التي وافقتْ لعشقها حياة البادية ، وإن لم تعشق العريس المتقدمَ لها! عشقتْ عيشة البادية من خلال كتب الأدب والشعر عنها نظرياً ، كما أحبتها من خلال الزيارات الخاطفة التي كانت تزور فيها أهلها في البادية في الأعياد والمواسم والمناسبات! وتم العرس ، وتحولتْ حياة البدوي الطيب الموفق بطل قصيدتنا إلى نعيم مقيم! وبينما كانت العروس التي لم يمض على عرسها شهر واحد تتجول في حقول القمح ، وإذا بها تمسك بعض سنابر القمح بكلتا يديها ، فطاب للعريس الزوج أن يقدم لها تعبيراً عن حبه وإخلاصه واحترامه لها! فقال لها مغازلاً: تكاد سنابل القمح في يديك أن يفوق بريقها بريق الذهب يا عروساه! فطاب لي كذلك أن أصوغ تعبيره هذا لعروسه شعراً أعطيتع عنوان: (لك احترامي وحبي!) وإنما فعلتُ ذلك لإعجابي الشديد بالقصة الجميلة ، كما أنني ثمنتُ ابنة العم التي راعت القرابة والدم والقيم ، وكانت مثالاً نادراً! وأما عن زوجته الأولى المتمردة ابنة العم ، فكم همّ ذلك الموفق الطيّب الصالح بطلاقها غيرَ مرة ، ولكنه حافظ على أولاده منها من جهة ، واتقى الله فيها من جهة ثانية ، وحافظ على علاقة الدم والنسب والقبيلة من جهة ثالثة! فانفصل عنها انفصالاً في غير فراق ولا قطيعة ولا طلاق! إنما أبقاها في عصمته حباً وكرامة لأولاده منها!)
© 2024 - موقع الشعر