اغنم زمانك يا (فولي)! - أحمد علي سليمان

الشعرُ أنت ، وأنت الشعرُ يا رجلُ
فأقلل المدحَ يا (فولي) ، فبي خجَلُ

آلُ (الخليفة) بالأشعار قد عُرفوا
فالجدّ (عَصرانُ) بالحَفيد مُشتغل

وجَدُّنا (حَمَدٌ) في أوْج فرحته
و(الكُولة) اليومَ بالسبطين تحتفل

وإن (أخميمَ) تحدُوهم ، وتغبطهم
وترفعُ الكف – للرحمن - تبتهل

أن يحفظ الله مَن فخراً يُتوّجُها
حتى تكونَ لها – نحو العُلا - سُبُل

إني إليك أيا (فولي) أبوحُ بها
وليس يصرفني حِرصٌ ولا وَجل

اصدعْ بشعرك في سر وفي علن
لكي يعودَ لنا – في الصحوة - الأمل

واجعلهُ سيفاً – على الأعداء - مُنصلتاً
يُقِرّ حقاً طواهُ الجهلُ والضلل

وانشرْهُ يصبحُ – بين الناس - مُشتهراً
واجعلهُ مِن رَقدة الحاسوب ينتقل

حَررْ قريضَك مِن سِجن بنيت لهُ
لقد يَضيعُ إذا ما باغت الأجل

فانفعْ به الناسَ في بَدو وحاضرةٍ
كم بالقريض زكتْ ألبابُ مَن عقلوا

حتى يُفاخرَ (عصرانٌ) بخِلفتهِ
كما يُفاخرُ أحفادٌ بمَن رحلوا

انشرُ ، ولا تنتظرْ تقديرَ مُرتزق
وهل يُقدّرُ أهلَ العلم مَن جهلوا؟

لقِيتُ قبلك جُهالاً ، وضِقتُ بهم
ذرعاً ، وأثرَ في قلبي الذي عملوا

فما استجبتُ لما حاكوهُ من حِيَل
هل عبقريٌ تُناوي عزمَه الغِيَل؟

بل انطلقتُ إلى الأشعار أنشرُها
والأجرُ عند الذي – عليه - أتكل

إني أعيذك أن تغتالَ نضرتها
بأن تبيت سبيلَ النشر تعتزل

يمر عمرُك بالمشاغل انتظمتْ
مَرّ السحاب له في مَرّه عَجَل

استثمر الوقت ، واكتبْ كي تُبصّرنا
وسوف يَشْرُفُ بالأشعار مُرتحل

شَرّفْ صعيدَك يا (فولي) بما نسجتْ
كفُ البيان ، وأكرمْ مَن بك اتصلوا

ارفعْ (خليفة) مِن أعماق تُربتهِ
حتى يقول: بشِبلي يُضربُ المَثل

حتى يُفاخرَ بالسِبطين مُبتشراً
وبالقريض رَفيعُ الفخر يكتمل

أعطِ القبيلة مَرقاها وسُؤدَدَها
حتى إذا غِبت قالوا: زايلَ البطل

غازلْ يَراعَك ، وارصُدْ عذبَ قافيةٍ
إن اليراعَ يُجَلي نقشَهُ الغزل

صَحّحْ بشعرك أخطاءً تُؤخرُنا
عن النهوض ، وكم يشوبُها الدجل

وادفعْ بهِ شُبُهاتٍ كم تُسَربلنا
وجُرحُها – في البرايا – ليس يندمل

واكشفْ به زيفَ مَن خانوا أمانتهم
مِن الألى ارتزقوا بالشرع أو أكلوا

واقمعْ به الزورَ إذ راجتْ بضاعتُهُ
حتى غزا عابثاً ألبابَ مَن غفلوا

وبيّن الحق يختالُ الدليلُ بهِ
كي لا تسود إذا ما حصحصَ المِلل

يَتوقُ أهلك للحقائق اندثرتْ
وأنت أهلٌ لما أرجوهُ يا رجل

أرجوك أصْغ لهم ، وارفقْ بساذجهم
واطرحْ إجابتك العصما إذا سألوا

ولا تقلْ أبداً: وحدي ، وهم كُثُرٌ
أبيت يصْرفني عن عِترتي الشغل

سُدِ (القبيلة) ، يا فولي ، فأنت لها
فالعِلم يرفعُ أقواماً به اشتغلوا

كُنْ كابن كُلثومٍ الحَزمُ استناخ لهُ
فسادَ قوماً به عَلوْا ، وما ارتذلوا

يُحبك الكل إن ناصحت محتسباً
وجُدت بالخير ، ما كَبا بك البَخل

وأهلنا الشمُ في (سُوهاج) كوكبة
من الغطاريف أفذاذ لهم ثِقل

يُوَقرون الفتى بالعلم مشترعاً
وما لهم أبداً عن رأيهِ بَدل

ولا يُدانون في الأخلاق تحسبُهم
حازوا المُروءة إن قالوا وإن فعلوا

أنا أقلهمُ عِلماً وتجربة
وأنت فيهم بما عُلمته جبل

هم أهلُ جُودٍ إذا أهلُ السبيل أتوا
وهم كِرامٌ إذا ضِيفانهم نزلوا

(عبدُ الرحيم) له السخاءُ مَنقبة
لمّا يَحُز مثلها الأشاوسُ الأول

إذ كان يُكرمُ ضِيفاناً ، ويمنحُهم
حق الضيافة ، طابَ الشربُ والأكُل

وكان يُكْرمُ بعراناً همُ ركبوا
وقِيلَ: هشتْ له وبشت الإبلّ

إذ كان يُطعمها جَمّاً ويُشْربُها
بوافر الماء ماذا يصنع الوشل؟

الله أكبرُ يا جَداً نتيه به
فيك المناقبُ منها العقلُ ينذهل

بيتُ (الخليفة) بيتٌ لا يُطاولهُ
بيت بسوهاجَ عَز الطولُ والطِوَل

اسأل عن المجد يا (فولي) وكُن فطناً
في بيتنا طابتِ الأعراقُ والمُثُل

كانت حقائقَ ، ما شط الخيالُ بها
كلا ، وما غالها زيفٌ ولا دغل

يَكفيك فخراً بأن تقول: ذا نسَبي
جدّي (خليفة) ، والأهلون قد نبلوا

لأهل (سوهاج) في الأنساب مدرسة
لا يَخلطون مَغاويراً بمن هزلوا

لا يستوي عندهم نوكى وكوكبة
لا يستوي الشم في الميزان والسفل

سائلْ لتدركَ يا (فولي) مُناظرتي
عن العِزاز إلى أوْج العُلا وصلوا

سائلْ لتكتبَ عن ذِكرى مَآثرهم
وعن أماجدَ ما أزري بهم خلل

ولا أزكّي على رب الورى أحداً
وإن قولي - عن الأهلين - معتدل

عليهمُ – مِن مليك الناس - رحمتُهُ
دَوماً ، ورضوانُ مولانا بما بَذلوا

مناسبة القصيدة

اغنم زمانك يا فولي! (ذكرَني بخير ابنُ عمي الشاعرُ الصعيدي الكبير الأستاذ الفولي عصران! فقلتُ له: لقد قطعت عُنقَ أخيك بهذا المدح! ورحتُ أنتهزها فرصة وأطرقُ الحديد - وهو ساخن - وأقول له: العمرُ يا فولي يمر سريعاً مرّ السحاب! فاغتنمه ، وانشرْ أشعارَك ، وانفعْ بها الناسَ قبل أن ترحل! وساعتها لا نقول: مات ، ومات معهُ شعرُه! والشاعر ابن العم هو الفولي عبد الحميد فولي عصران أبو العلا خليفة! فيلتقي معي في الجد (خليفة) رحمه الله! وللشاعر الفولي تسعة دواوين شعرية وروايتان ومسرحية شعرية! وديوانه الأول المطبوع عنوانه: (بسماتٌ ودموع)! وما أجمل رسائل الشعراء بعضهم لبعض! وفي هذه القصيدة أنصح لابن عمي الشاعر بأن يسعى في نشر شعره ومنفعة الناس بما فيه من القيم والأخلاق والمبادئ! لأن أحداً لن يصنع مجد الآخر! وما دمت يا (فولي) قد من الله تعالى عليك بالشعر فلتنفع به غيرك من الناس! أو بمعنى آخر فليتعد خيرُك غيرَك يا ابن العم! وفائدة أخرى من هذه القصيدة الخاصة هي أن أقدم للقراء الأحبة كيف تكون المراسلات بالشعر ، وكيف يكون احترام وجهات النظر! وكنتُ قد عرّجتُ في قصيدتي على العائلة التي إليها ننتسب! أو بالمعنى الصعيدي الدارج: عرّجْتُ على البيت الذي من انحدرنا. وهو بيت (خليفة) بالكولة – مركز أخميم – محافظة سوهاج! فأكون أنا منحدر من ربع (حمد) ، وينحدر الفولي من ربع (أبو العلا)! ولستُ أميل إلى مدح النفس ولا تزكيتها ، ولكنني أتحدث بنعمة الله تعالى علي وعليه ليس إلا. ولا أزكّي على الله ربّي أحداً! بل أحسبُ أجْدادي هكذا ، والله حَسيبُهم ووكيلهم! رحمهمُ الله تعالى جميعاً. وأما عن مدح ابن عمي الشاعر (الفولي) لي ، فأنا أحوج إلى قول الصديق أبي بكر عندما كان يُمدح: (اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تفتني بما يقولون ، واجعلني خيراً مما يظنون!) وليس يَشكرُ لله تعالى من لا يشكرُ للناس معروفهم في حقه! فأشكرُك يا ابن عم على ما مدحتني به. أما مدحي لأجدادي – رحمهمُ الله تعالى – فهذا حقهم علي! وأعتبرُ إطرائي لهم وثنائي عليهم وذكري بعض مناقبهم ، من بعض حقهم عليّ. وهذا نصيبهم من شعري.)
© 2024 - موقع الشعر