إلى خنساوات أرض الرباط - أحمد علي سليمان

لكُنّ تحيتي تُزْكِي الجهادا
وبعدُ تُشجِّعُ الجُندَ الشِّدادا

وتزرعُ - في القلوب - جميلَ صبر
يُجنبُها السآمة والسُهادا

وتحملها على عِشق التحدي
فتصمد إن تُراوح ، أو تُغادَى

وتغمرُها يقيناً واحتساباً
إذا وجدتْ - من الناس - اعتدادا

وترسمُ صورة – للحزن - مُثلى
إذا بدأتْ ثكالانا الحِدادا

لكُنِّ تحيتي تختالُ فخراً
ودمعُ العين - في البلوى - تهادى

أسجّلها - لمن أحببتُ - شِعراً
وقد أمسى الدمُ الحُر المِدادا

وباليُمنى أخط الحُب شِعراً
له العَبَرات تحتشدُ احتشادا

صحيحَ اللفظ ليس به كسورٌ
وقافية تعقبتِ السنادا

وتصويرٌ يُدندنُ في الحنايا
يُباركُ - للصبورات - الجهادا

وأوزانٌ يُزخرفها التسامي
عن الدنيا لتتئدَ اتئادا

وأبياتٌ تُزيّنها المعالي
حلتْ - للقارئين - هُدىً وزاداً

لكُنّ تحيتي مِن بعد لأي
يهدّ الناس ، يَحرمُها الرقادا

كسيرُ القلب ، يغلبني شعوري
ودمعي فاق - في الألم - العِهادا

أشاركُكُن جرحاً ليس يبرا
وحقاً – بالأسى - لن يُستعادا

وأرضاً قد تغشّاها الأعادي
وقد نصبوا – لقِسمتها - المَزادا

وشعباً أهدروا دمه انتقاماً
ليُقتل في الحروب ، وإن تفادى

وأطفالاً ، وفتياناً ، وشِيباً
مثانيَ في المعارك ، أو فرادى

كأن الموت أضحى فرضَ عَين
عليهم عُنوة لهوىً تمادى

وأجناداً - عن الحُرمات - ذادوا
لذا اصطحبوا إلى الهيجا العَتادا

وأرخصَ كل جنديٍّ دماهُ
فِدا الأقصى ، لذا اتحدوا اتحادا

وشارك - في الوغى - الأطفال طوْعاً
فداعي الحرب - في الأصقاع - نادى

فأبلوْا - في القتال - بكل بأس
وكلٌّ - مِن تجاربه - استفادا

رأوا أعداءهم فروا سِراعاً
برغم عَتادهم باتوا جرادا

وأطفال الحجارة كالمنايا
وإن لهم - على الله - اعتمادا

وفي كف - من النيران - صخرٌ
يذرّ الموت أسيافاً حِدادا

وفي الأخرى كلاليبٌ وغلٍّ
لتصطادَ الهلافيتَ اصطيادا

وفوق الظهر مِقلاعٌ ورُمحٌ
يُذيق الكفرَ ذلاً واضطهادا

ومن طفل يفرّ اليوم جيشٌ
قد ازدادتْ هزائمُه ازديادا

وطفل يذهبون هنا ضحايا
أبَوْا - نحو الهزيمة - الانقيادا

وبعض الأمّهات لذا ثكالى
بكيْن الطفلَ وجْداً والبلادا

ذرفن الدمع مِغزاراً عزيزاً
وبين الناس أعلنّ الحِدادا

وطال الدمعُ جداً بالصبايا
فمن (رمضانَ) كان ، إلى (جُمادى)

وجالدن الفجيعة باصطبار
وأمسى الصبر - في البلوى - عِمادا

كمثل (تماضر) بدتِ الثكالى
ورب الناس يمتحنُ العِبادا

فصابرة ببلواها تعزتْ
وقانتة توشحتِ السوادا

وفي (الخنساء) للثكلى عزاءٌ
وذِكْرُ مصابها يُشجى الفؤادا

قد امتحنتْ بأربعةٍ فقالتْ:
يُشرّفني الذي الكفارَ عادى

وفي الميدان لقنهم دروساً
بأن الروح تفدي الاعتقادا

وأحمدُ ربَّنا أن كنتُ أمّاً
لأربعةٍ يُهِلون الرشادا

فما منهم فتىً إلا شهيدٌ
بنفس - في سبيل الله - جادا

يمينَ الله أحياءٌ ، ولكنْ
قد ابتعدوا - عن الدنيا - ابتعادا

وعند الله – للشهداء - أجرٌ
ورزقٌ - في جنان الخلد - زادا

وقد فرحوا بما أوتوا ، وباتوا
وهم يستبشرون بمن يُعادَى

فيُقتلُ - في سبيل الله - عبداً
رضاءَ الله في الدنيا أرادا

فلا خوفٌ - على الشهداء - يوماً
ولا حزنٌ يُؤرّق ذي العِبادا

تعالى الله ضاعفَ أجرَ قوم
أقاموا الدينَ كُلاً والجهادا

مناسبة القصيدة

إلى خنساوات فلسطين (إنها رسالة إلى مؤمنة ابتليتْ في أرض الرباط بفقد جميع أبنائها. فكانت محتسبة صابرة تذكرنا بالخنساء - رضي الله عنها - عندما استشهد أبناؤها الأربعة فقالت كلمتها الشهيرة الجهيرة: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم). هذا على فرض صحة الرواية عن الخنساء فإلى خنساوات الأرض المقدسة أنشد هذه القصيدة ترجمة لما في قلبي من الاحترام والحب والتقدير لهن. قالت اللجنة الدائمة للإفتاء والإرشاد في أرض الحرمين ما نصه: (إن القدس حقاً هي أرض الرباط والجهاد ، فكم شهدت أرضها معارك حامية وملاحم ضارية ، تسابق فيها المسلمون لتحقيق وعد الله إما النصر وإما الشهادة وكم روت أرضها من دماء المجاهدين ونبدأ بذكر أهم تواريخ المعارك التي دارت حول القدس وفي داخلها ، ونعطي نبذة عنها ليعلم أنها أرض رباطٍ وجهادٍ إلى أن تقوم الساعة. روى الترمذي عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: قَدْ اُسْتُشْكِلَ هَذَا مَعَ بَقَاءِ مَمْلَكَةِ الْفُرْسِ لِأَنَّ آخِرَهُمْ قُتِلَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ ، وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا مَعَ بَقَاءِ مَمْلَكَةِ الرُّومِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَبْقَى كِسْرَى بِالْعِرَاقِ وَلَا قَيْصَرَ بِالشَّامِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ وَسَبَبُ الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْتُونَ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ تُجَّارًا ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا خَافُوا اِنْقِطَاعَ سَفَرِهِمْ إِلَيْهِمَا لِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَبْشِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ مُلْكَهُمَا سَيَزُولُ عَنْ الْإِقْلِيمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قَالَ الْخَطَّابُ مَعْنَاهُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ يَمْلِكُ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ وَبِهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي لَا يَتِمُّ لِلنَّصَارَى نُسُكٌ إِلَّا بِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ عَلَى الرُّومِ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ قَدْ دَخَلَهُ إِمَّا سِرًّا وَإِمَّا جَهْرًا ، فَانْجَلَى عَنْهَا قَيْصَرُ ، وَاسْتُفْتِحَتْ خَزَائِنُهُ ، وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَيَاصِرَةِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَعْدَهُ اِنْتَهَى .(تحفة الأحوذي).هـ. وإذن فالبشارات القرآنية والنبوية بتغير الحال للأحسن كثيرة ومتعددة)
© 2024 - موقع الشعر