أرسلوا النعوش والأكفان - أحمد علي سليمان

أرسلوا - يا أحبابنا - الأكفانا
وانعموا بالعيش الرغيد عَيَانا

واصنعوا – للمستضعفين - نعوشاً
واشجُبُوا ، ثم استنكروا العدوانا

واخنقوا فجراً قد يطل قريباً
كي تظلوا - في خذلكم - شجعانا

وأريقوا دماء كل شهيدٍ
واصبغوا - بالذلة - الأكفانا

واقمعوا صوتاً يستغيث ويعلو
واجعلوا إخراس الرؤى سُلوانا

وأدينوا مَن دنسوا الطهر عمداً
واستديروا - لمَن يجوسُ - قرانا

وأمدّونا بالسقوط ، ولوذوا
بفرار ، واستصرخوا الطوفانا

نحن في حال ليس يخفى عليكم
في لظاها قد فاقتِ البركانا

أسمعتم بالدُور تُقصفُ جهراً
ثم تغدو – للمُفتري - قربانا؟

أسمعتم بالطفل يُرمى قتيلاً
ثم يُلقى ، كأنه ما كانا؟

أسمعتم بالمُنشآت تُوارى؟
وعليها الغاراتُ تترى الآنا؟

أسمعتم بالنخل يُحرقُ قسْراً
والمنايا تستأصلُ الرمانا ؟

أسمعتُم بالأرض تُروَى دماءً
وثراها يستقبلُ الأبدانا؟

أسمعتم بالرمل يطفحُ جمراً؟
مثلما (صبرا) يا رفاقي وقانا

أسمعتم بالذبح أضحى بَواحاً
يَجتني - في سِكّينهِ - الإنسانا؟

أسمعتُم بالمَيْت يَعدِم قبراً
والرزايا تستثقلُ الأشجانا؟

أسمعتم بالحي يُحرَم قوتاً
فيُعاني - مِن الطوَى - حرمانا؟

أسمعتم بالسجن يُصبح قبراً
ويُدَمّي – بظلمه - الأعيانا

ويُقاسي المسجونُ منه البلايا
ولمَولاه يشتكي السجانا؟

أسمعتم بالعِرض يُهتكُ جبْراً؟
لمَ هذا العِرضُ المُعذبُ عانى؟

سائلوا التاريخ المعاصرَ عنا
واسألوهُ مَن ضيّع الأوطانا

من أضاع (القدس) الأبية حقداً
وانبرى كي يستنصرَ الأوثانا

و(فلسطين) الكسيرة تبكي
وأراها تستنطقُ القطعانا

ولها - في دمع العِتاب - شكاة
آلمَتها ، واستغرقتْ أزمانا

تصطفي مِن أحبابها مَن يُحامي
ولهذا تستعطفُ الجيرانا

أنقذوا شعبي مِن مخالب عِير
وأعيدوا الحقوق والبُلدانا

أنقذوا (الأقصى) مِن قيود الأعادي
وأقيموا الإسلامَ والقرآنا

واحرقوا الغرقدَ المَرير انتقاماً
وأبيدوا - مِن الديار - الهوانا

واحرقوا القرطاس المحرّف جهراً
وانشروا - للمستكبر - الديوانا

وأبيدوا ما شيّدوا من مبان
وانصبوا - يا أهل الهُدى - المِيزانا

واهدموا - يا أحبابنا - كِبْر عِير
واستبيحوا الأصقاعَ والإيوانا

واجعلوا توحيدَ المليك شعاراً
والمَعالي لحربكم عنوانا

وانسفوا ما شاد الأعادي بأرضي
وأبيدوا الباراتِ والسُكرانا

ليت شعري كيف ارتضيتُم ضياعي
واحتملتُم - مِن الأعادي - الطِعانا؟

ولماذا رأيتُ خذل رفاقي
مَن رأيتُ - في مِحنتي - شُجعانا؟

ولماذا تعمّد القومُ سحْقي
ولماذا هُم صدّعوا البُنيانا؟

أين ذكرى الإسراء مِن حال قومي
والتي كانت - في الدجى - فرقانا؟

أين غصنُ الزيتون يُزجي سلاماً
ووئاماً - يُظلنا - وأمانا؟

أين أشجارُ البرتقال توارتْ
في مَغانيها تندب الأفنانا؟

وفروعُ التفاح تبكي دماءً
وهْي كلمى تستعصرُ الأجفانا

ويواقيتُ الصعتر المتسامي
تذرفُ الدمعَ اللاهبَ الهتّانا

وشذى الليمون الحزين كئيبٌ
يشتكي الحال ، يندبُ الريحانا

وأريجُ الدُرّاق يَرْشحُ مِسكاً
يتلالا ، وفي العطا يتفانى

وعبيرُ المَوْز الرطيب يُغني
ثم يُهدي لأهله الألحانا

وطعومُ الأعناب تنضحُ عِطراً
ثم تُهدينا سِحرَها الفتانا

ونخيلٌ تختالُ بالتمر زهواً
مِن رؤاها يغدو الفتى ريّانا

ودلالُ التين البهيّ يُناجي
في انتشاءٍ مِن عُجْبه الخِلانا

وزهورُ النارنج تضحكُ نشوى
وتناغي إحساسَها الحيرانا

أين هذا النعيم ولى؟ أجيبوا
سائلوا يا أقوامنا الطغيانا

ولماذا الأرضُ الشريفة كلمى
ولماذا الأعداءُ سلوا السِنانا؟

ولماذا الدماءُ باتت تغطي
أرضنا كيما تستغيثُ الكِيانا؟

ولماذا الأشلاءُ هانت علينا؟
راجعوا - يا أصحابنا - الإيمانا

ولماذا (الأقصى) يئن ويبكي؟
أعليكم أقصاكمُ قد هانا؟

ولماذا تكالبَ الكفرُ صَفاً
يستجيشُ الأجياشَ والصُلبانا؟

ولماذا كل الممالك ضاعتْ
وضِياها – للعائدات - استكانا؟

ولماذا بأسُ اليعارب ولى؟
ولماذا قد أهدروا العِرفانا؟

قاوموا البغىَ المستريبَ ، وجدّوا
فعساكم تستأهلوا الغفرانا

جاهدوا الكفارَ العُتاة ، وثوروا
بات هذا - في سعيكم - إحسانا

إن حَييتُم ، فبالجهاد حَييتُم
أو قتلتم ستدخلون الجنانا

فاستجيبوا لِمَا (فلسطين) قالتْ
كي تُلاقوا – بنصرها - الرحمانا

مناسبة القصيدة

أرسلوا النعوش والأكفان (أنشد هذه القصيدة على ألسنة أهل أرض الرباط الموحدين وقد خذلهم القاصي والداني. ألا وإن الشهيد المؤمن الموحد يموت إذ يموت مرة واحدة ، كلدغة البعوضة أو أقل من ذلك ، كما أخبرنا النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وأقول: إن الكافر يموت في الدقيقة الواحدة ألف مرة ومرة. وصدق الله: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ، ذلك بأنهم قوم لا يفقهمون. لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرىً مُحصّنة أو من وراء جدر ، بأسُهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) ألا فاحرصوا يا أهل الرباط على الموت توهبْ لكم الحياة. وتذكروا دائماً قول الله تعالى في الحديث عن الشهداء: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، يستبشرون بنعمة من الله وفضل ، وأن الله لا يُضِيع أجر المحسنين) وعلى المرتجفين الخائفين أن يُرسلوا فقط النعوشَ والأكفان هذا يكفي منهم وهذا الذي يُناسبُ ما هم فيه من الخوف والذعر والإرجاف)
© 2024 - موقع الشعر