المنتقبة والقطة المبتلاة - أحمد علي سليمان

بُوركَ الجهدُ المُعَنى والوفا
عندما طبّقتِ هديَ المصطفى

ضوعفَ الأجرُ المرجّى يا شذى
إنه لولا الرجا ما ضُوعِفا

فزتِ إذ أنقذتِ أشقى هرةٍ
حالها يبدو كما المُستضعف

قيّدتْ ، فاستأسرتْ ، فاستسلمتْ
ولذا عانت مَصيراً مُجْحفا

أوهنَ الأولادُ ظلماً عزمَها
ما بدا منها يُضاهي ما اختفى

أرهقوها بالمآسي ليتهم
رحموا جسماً - إلى الحسنى - هفا

كم أذاقوها بلايا هزلهم
وأنالوها العذابَ المُقرفا

كم أذلوها ، وكالوا جَورَهم
جهرة جَمْعٌ ، وجمعٌ في الخفا

فصبيٌ ضُفرتْ أشطانُهُ
وعلى الخنق صبي أشرفا

وصبيٌ أشهرَ السوط لها
وصبيٌ – للتسلي - خطرفا

وصبيٌ بحُصِي خصّها
وهْي تأبى – في البلا – أن ترجُفا

ربما أغراهُ رجْفٌ إذ رمى
فاشتهى هذا الفتى أن يُردِفا

وأتتْها نجدة ميمونة
واستطاعتْ بأسَها أن تكشِفا

أنقذتْها من حِمام مُحْدق
لم تجدْ منه بتاتاً مَصرفا

يا (شذى الزهر) لقد أكرمتِها
بدفاع عَز عن أن يُوصفا

ساقكِ الله إليها نجدة
تبذلُ المعروفَ يَحدوها الوفا

كاد أن يُغشى عليها حسرة
والشذى فاح فوافاها الشفا

لكن الصبيانُ غالى طيْشُهم
فإذا الحلوى تُهدّي من جفا

و(شذى الزهر) اصطفتْها جارة
إيه يا عصماءُ طابَ الإصطِفا

رقة في القلب سام وَصفُها
وضميرٌ مُخبتٌ عَذبُ الصفا

وشعورٌ مُرهفٌ يُفضي إلى
نبل أخلاق علا واستشرفا

يا(شذى الزهر) بكِ الشعرُ شدا
يا نشيداً حقه أن يُعزفا

يا قصيداً نورُهُ من أحرفٍ
بارك المولى السنا والأحرُفا

فاقبلي مني التحايا غضة
واقبلي الإطراءَ ظِلاً مُورفا

مُنتهى جهدي قصيدٌ مُورقٌ
صَوّرَ الحق ، وجَافى الزخرفا

رب كافئ ما أتتْ مِن صالح
لم تُرد يوماً به أن تُعرفا

مناسبة القصيدة

(شعورٌ نبيلٌ جداً أن نكون رُحماء بالحيوانات ، خاصة الأليفة التي لا يكون لنا منها الضرر الظاهر! ومنتقبة قصيدتنا بسبب حسها المرهف والرحمة التي أودعها الله تعالى في قلبها ، لم تقبل أن ترى تعذيب قطةٍ مبتلاةٍ بائسة ، على أيدي صِبية لا يدركون! واستحق ذلك مني قصيدة أشكرها على ذلك الشعور النبيل هذا! لقد كانت أختنا المنتقبة المؤمنة الحشيمة (شذى الزهر) وهذا اسمها تجلس إلى جوار زوجها في سيارتهما الخاصة ، في طريقهما لقضاء شأن من شؤونهما. وفجأة وقعتْ عينها على أولاد كانوا قد ظفروا بقطةٍ ربطوها بالحبال ، وأمعنوا في تعذيبها! فأوقفت السيارة ، وراحت تنصح للأولاد وتعظهم ، وتبين لهم أن هذه القسوة ليست من ديننا في شيء ، وراحت تُحذرهم عقاب الله تعالى ، وتسوقُ لهم من حديث رسول الله -–صلى الله عليه وسلم -: (دخلتِ امرأة النار في هرة) الحديث! ولمّا لم يستجيبوا قررتْ أن تأخذها من بين أيديهم ، وتُشفق عليها! وأعطتْهم بعض الحلوى عِوضاً عن القطة التي أخذتْها منهم ، وأحسنتْ إليها وأطعمتْها وأشربتْها وآوتْها! فشكرتُ لها ذلك الكرم والجود شعراً بقصيدةٍ عنونتُ لها بـ: (المنتقبة والقطة المبتلاة)! إنه لمِنْ أعْظم الصِّفات التي تَمَيَّز بِها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صفة الرحمة ، والنصوص في ذلك كثيرة ، ولذلك حَرِصَ عليها ودَعا إليها وقال فيما قال: "مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَم". رواه البخاري ومسلم. وقال أيضاً: "لا تُنْزَع الرَّحْمَة إلا من شَقِيٍّ". رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح. ومن مَظاهر رحمته الشاملة رحمته بالحيوان الأعجم ، الذي سخَّره الله لخِدْمة الإنسان ، فمِنَ الواجب صيانةُ هذه النِّعمة حتى يدومَ الانتفاع بها ، بل إنَّ رحمتَه شَمِلَتْ الحيوانات الأخرى التي لا تظْهر فيها المنْفعة المُباشرة في الأمور الأساسية للحياة ؛ لأنَّها على كل حال مخْلوقات تُحِس بما يُحِس به كلُّ حيوان.)
© 2024 - موقع الشعر