ليتني أطعتُ صِحابي - أحمد علي سليمان

أنتمُ الصحبُ أيها الرفقاءُ
والكرامُ الأشاوسُ النصحاءُ

كم نصحتُم حتى تُقِيلوا عَثاري
واحتملتُم يا أيها الحُلماء

كم وعظتُم ، ولم تبالوا بحِنقي
والتحدّي كم صدّني والجَفاء

كم بذلتُم إرشادكم والوصايا
زخرفتْها الرموز والإيماءُ

كم تفضلتُم بالعطاء احتساباً
كم منحتُم شُورى بها يُستضاء

كم أبنتُم مَذاهباً ودُروساً
كان لي فيها تبصّرٌ واهتداء

كم فتحتُم بُيوتكم دون من
واحتفلتُم بي ، ثم طاب اللقاء

كم تفطنتُم للمخاطر حلتْ
بي ، وحارتْ في دفعها الآراء

كم قبلتُم تأسّفي واعتذاري
عندما قادتْ همتي الأهواء

كم سُررتُم إذ داعبَ السعدُ قلبي
وابتشرتم إذ حلتِ السراء

كم حزنتُم إذ داهمتْني كروبي
واحتفى بي إذ جئتُموني العزاء

كم ذكرتُم من المحاذير تترى
عندما عمّتْ ساحتي الضراء

كم رضيتُم مني بما لا يُسَلي
عندما مسّتْ عِزتي البأساء

كم صبرتُم على الحماقات طالتْ
كل خِل إذ سادتِ الشحناء

كم صمدتُم في وجه كل عدو
نالني مِن تشويههِ الافتراء

كم أضأتُم دربي بنور التصافي
عندما ندّتْ عن ساحهِ الأضواء

قلتمُ احذرْ من مبْطِل لا يُراعي
أي حق ، ومنه ضجّ الإخاء

وانتفاعيٌ ما له من مثيل
مثلُ هذا يَمله العقلاء

فابتعدْ عنه ، لا تُصاحبْه يوماً
صُحبة عَجفا ما بها نُعماء

واعتبرْ بالأصحاب منه استجاروا
بعدما عَمّتهمُ به الأرزاء

أخطأوا إذ أوْلوْهُ كل اهتمام
هل يتيمٌ عليه هم أوصياء؟

وعليه الآمالُ هم عَقدوها
غلبوا الطبعَ ، إنهم صُلحاء

أحسنوا الظن ، والسفيهُ تمادى
وإذا العُقبى خيبة وشقاء

لم يزل بالإيقاع يختالُ زهواً
كم تُدسّي الخلائقَ الخُيَلاء

لم يزلْ بالإفساد سراً وجهراً
وله في سرد الحكايا دهاء

والأسافينُ هولها لا يُبارى
كل إسفين والجحيم سواء

والمِزاحُ المُسِفّ أصبحَ سَمْتاً
تعتريه الفوضى والاستهزاء

والتجني على العِباد افتراءً
دون حق يحيا به الصلحاء

وادّعاءُ العِلم الذي لا يُبارى
كالدعاوى يعنو لها الجهلاء

ليت شِعري كيف ادّعى مَكْرُماتٍ
كم يسيرٌ - على الورى - الادّعاء

ليتني مختاراً أطعتُ صِحابي
فبعصيان الصحب حلّ البلاء

مثلُ هذي البلوى تُحَتم شُورى
بعدها تُجدي الطاعة العمياء

إن صحبي مِن خِيرة الناس قطعاً
إي وربي رئبالة شُرفاء

لا أزكي خِلاً على الله ربي
لهمُ مني مَدحُهم والدعاء

مناسبة القصيدة

ليتني أطعتُ صِحابي! (عندما ينصحُ الأصدقاءُ الأوفياءُ أحدَ أصدقائهم نصيحة مخلصة وفية مدروسة موزونة ، ثم لا يستجيبُ لهم فلا يلومن إلا نفسه! وخاصة عندما يكونون أخبرَ منه بالحياة ووزن الأمور والرجال! لقد كان هذا الصديق يعيشُ وسط مجموعةٍ من الصحاب يندرُ أن يوجد مثلهم في عبادتهم وتقواهم وفطنتهم وخبرتهم بالحياة ووزن الرجال! ولا نزكي على الله ربنا أحداً! نعم! لقد تمتعوا بين الناس بصفاتٍ عظيمة ، منها البراءة وحسن النية والقصد ، والجود والكرم والعطاء والسخاء رغم الحاجة والعوز والخصاصة! كما تمتعوا ببذل النصيحة في كل وقتٍ وحين! ولأنه لم يكن يختلف عنهم في هذه المناقب وتلك الخِلال ، ذابَ في صحبتهم كما ذابوا في صحبته! وذات يوم دخل - على هذه الباقة الوفية المخلصة والمجموعة النبيلة الجليلة من الصحب - رجل دخيل أوتيَ في الكلام جدلاً ، وكانت له أخذة بالألباب إذا تكلم! فلكلماته سحرٌ بالقلوب ، وله طريقة في سرد القصص والروايات والأمثال والحكم والحكايات بأسلوب يجعل السطحيين ينخدعون فيه بسرعة! فانخدعتْ فيه شلة الأصدقاء الأوفياء للوهلة الأولى! وأراد أحدهم وقد كشف حقيقة الرجل ، وتجلى له أمره بما لا يدع مجالاً للشك ، وعلم من كُنه الرجل ما لم يعلموا ، فأراد أن ينصح لهم ويبين حقيقة ذلك الخب المخادع المراوغ ، ولكنه لم يُعط الفرصة ولم يفسح له في المجال!
© 2024 - موقع الشعر