حللت أهلاً ونزلت سَهلاً يا عيد الفطر - أحمد علي سليمان

موعودة أمة الإسلام بالخيرِ
وحَظها ما له في السعد من حَصْر

إذا استقامتْ على مِنهاج خالقها
وجنبتْ أهلها مَزالق الشر

واللهُ أكرمَها بشِرعة المصطفى
فشرّفتْ قومَها بأعظم الدَور

وخصّها ربنا بالشهر يُتْحِفها
حتى تفوز بهِ بأعظم الأجر

إني أزفُ - لأهل السلم - تهنئتي
بصومهم وقيام الليل والفِطر

أصوغها اليومَ شِعراً ليس يَنقصُهُ
صدقٌ يُبَلغه مَنازلَ الطهر

والصدقُ أبلغ ما يسمو القريضُ بهِ
شتان شتان بين الصدق والهتر

ما الشعرُ إن لم يكن صِدقٌ يُجَمّلهُ
والصدقُ مَكرُمَة تختالُ في شِعري

واليومَ أبعثُ للأخيار تكرمَتي
وإنْ تكنْ طيّبَ الأشعار تستمري

بُشراكمُ الشهرُ حَيّاكم وودّعَكم
وكان ضَيفاً عزيز الجاه والقدر

أيامُهُ انفرطتْ كالِعِقد مُسرعة
وليس أسرعُ مِن تقارُب الدهر

بالأمس كاد قدومُ الشهر يُذهلنا
واليومَ نأسى على نِهاية الشهر

هلاله هلّ مِن شهر فداعبَنا
وذا هلالٌ لشوّال على الإثْر

بين الهلالين كان الخيرُ مَوعدنا
والعيدُ جاء لنا بالبِشْر والخير

صامتْ فئامٌ ، فمَسّاهم وصَبّحَهم
نورُ التفاؤل في الأرواح يستشري

قاموا من الليل ما قاموا بلا ضجَر
واستعذبوا الآيَ في ليل وفي فجر

وفي النهار تلوْا قرآنَ بارئهم
وأكملوا ما تلوا بالفهم والفسر

لمّا يكنْ نصّه على التقاة عمى
لأنهم طالعوا التفسيرَ في السِفر

وخاب قومٌ ، فما صاموا ولا سجدوا
بل جاهروا في نهار الشهر بالفطر

واستهجنَ الشهرُ ما أتوه من بدع
إذ لم يكنْ في الذي جاؤوه من عُذر

يا عيد جئت لنا بالفرح مؤتلقاً
ونحن نلقاك بالإطراء والفخر

حللت أهلاً على الأصقاع بدرَ دُجىً
ضاء الديارَ كمثل الكوكب الدري

نزلت سهلاً ، فمرحى يا نزيلَ حِمىً
وكم يبشُ كرامُ الناس للبدر

مازلتُ أذكرُ عيدَ الفطر من زمن
والذكرياتُ أريجٌ فاحَ في فِكْري

هي الطفولة طيْفٌ لا يُفارقني
إني لأذكُرُها دوماً على الفور

وهل يكونُ له مُستقبلٌ غردٌ
مَن كان ماضيه مِن ذِكراهُ يَستبري؟

ما كنتُ أعبَأ بالجديد ألبسُهُ
مِن الثياب عليها أطيبُ العِطر

ما كنتُ أعبأ بالحلوى تُسامرُني
مِن كل صِنفٍ وفن شكْلها يُغري

ما كنتُ أعبأ بالألعاب تمنحُني
بعضَ السعادة في سِري وفي جَهري

ما كنتُ أعبأ بالعِيدية ابتشرتْ
بها الطفولة ، فانصاعتْ إلى الشكر

بل كنتُ أعبأ بالأهلين جيئتُهم
تُبدّلُ العيش مِن طور إلى طور

فالجَد يأتي مُهاباً في زيارته
له علينا جميعُ النهي والأمر

وخلفهُ جَدة تُزجي مَحبتها
ونحن في وجهها الحَنانَ نستقري

ولو ترى طلة الأخوال ما انشغلوا
عنا بعيش شديدِ الضنكِ والقهر

ولو ترى وقفة الأعمام ما بخلوا
بوقتهم كي يُزيلوا جفوة الهجر

إذ ناولونا هنا الأحضانَ دافئة
تُدُوولَ الدفءُ مِن صَدر إلى صَدر

واسألْ عن القبُلات الدهرُ سَجّلها
تُهيّجُ الحبَ في الآكام والصخر

حتى إذا رحلوا إلى ديارهمُ
بكتْ مَدامِعُنا ظهراً إلى العصر

وكان يأسرُني الجيرانُ ما قطعوا
حبلَ المودّة رغم الضيق والفقر

وكان يُحرجني الأصحابُ يَسبقهم
شوقٌ تضمّخ بالحُبور والبِشر

وكان يُبهجُني الصديقُ مُبتدئاً
مِن الرضا صفحة بوَضعنِا تُزري

فقد تنازلَ عن حقوقه رؤفاً
حتى يُعيدَ رباط الوُد والبِر

لأنه أدرك الحقيقة انبثقتْ:
أنْ ليس أقصرُ في الدنيا من العُمر

وأن عِيشتنا كالبحر دَيدنُها
والبحرُ يا ناسُ بين المَد والجَزر

إن لم يكنْ مَدُهُ والجزرُ طابَعَه
فكيف سَمّاه أهل الأرض بالبحر؟

فلا تدومُ على حال مَعيشتُنا
ونحن نكدحُ بين النفع والضر

واليوم يا عِيدُ مَن يُصغي لآهتنا؟
ومَن يُجّففُ دَمعَ العين إذ يجري؟

ومَن يُسائلُ عن أحوال عيشتنا؟
ومَن يقولُ لنا: عنكم أنا أدري؟

ومَن يُذكّرناُ إن غاب مُنذرُنا؟
ومَن يسوقُ لطيفَ الوعظ والذكر؟

ومَن يُعيدُ حقوقاً كان غاصبَها
لمّا غفلنا ، وهِيضَ الحقُ بالمَكر؟

أواهُ يا عيدُ إن شاقتْه مصلحة
وزلزلتْ حاجة تنوءُ بالظهر

أتى يلودُ كمثل الست دون حيا
حتى إذا قضِيتْ آوى إلى الخُسر

أين الأقاربُ تحدُوهم شَرافتهم
وهم يجودون بالخيرات للغير؟

أين الصداقاتُ تبلوها مَواقفها
فلا تميلُ إلى التخوين والغدر؟

أين الأخوة إذ غابت مَعالمُها
وأصبح الخذلُ في شُريانها يسري؟

فلم يعدْ نسبٌ يذوبُ في نسب
والصِهرُ لمّا يعدْ في الناس بالصِهر

فلا القريبُ قريباً يُستعانُ به
على البلاء ، فقد آوى إلى الجَور

ولا النسيبُ نسيباً يستجيبُ إذا
دعاه داعي العطا ، فجادَ بالشطر

ولا الصديقُ صديقاً يُستجارُ به
إما عتتْ محنة في مَوقف وَعر

ولا الخليلُ خليلاً رغم خلتهِ
وبات وَازعُها قلبَ الفتى يَفري

ولم تعدْ قِيمٌ في الناس تعصِمُهم
مِن التبذل والتخذيل والثبر

هل الهواتفُ تُغني عن زيارتهم؟
وبعضُهم خصّ بعضَ القوم بالحظر

هل الرسائلُ تشفي وجْد فرْقتهم؟
وهل تُقوي ضعيفَ الشوق والأزر؟

و(الفيسُ) هل أكملَ المنظومة اتُبعَتْ
فأسقط الوَصلَ ب (الليكات) والنشر؟

و(الوَاتسُ) هل أصْبحتْ سُطورُهُ بَدلاً
عن التواصل في يُسر وفي عُسر؟

وهل وصَالٌ إذا (ماسينجرٌ) سطعتْ
أنوار شاشته بزاهر الخُبْر؟

وهل يُعيدُ الإخا (تويترٌ) لبِقٌ
باتتْ (تُويتَتُهُ) دَيناً على الحُر؟

والبعضُ لم يتصلْ يوماً بهاتفهِ
حتى يُداريَ هذا المَوقفَ المُزري

إن الأصِيلَ لهُ سَمتٌ يُميّزه
شتان شتان بين الرَمل والدُر

يدري اللبيبُ بأن العُمْرَ مُرتحلٌ
وذات يوم تواتِي ضجعة القبر

يا عِيدُ أنت العَزا في فتنةٍ جَثمتْ
وأنت سُلواننا في السَهل والوَعر

لربك المُشتكي مما نكابدُهُ
مِن البلاءات كم تُفضي إلى البَور

رباه لطفاً بنا مما يَحيقُ بنا
ومَن سندعو سوى المُهيمن البَر؟

مناسبة القصيدة

حللت أهلاً ونزلت سَهلاً يا عيد الفطر (أردتُ تهنئة أهلي وعشيرتي المسلمين أهل التوحيد والعقيدة بعيد الفطر السعيد ورحتُ أقارنُ الماضي القديم بالحاضر الأليم ، فأدركتُ أن الفرق بينهما يزيدُ عن الفرق بين السماء والأرض ولم أشأ أن أتمادى في الشجون بل رحت أرحب بالعيد واتخذت منه الصديق المواسي والصاحب المعزي وشكوت لله تعالى تغيرَ أحوال الناس ، ونعَيتُ قطيعتهم الأرحام ، واكتفاءهم بالرسائل والمكالمات ونسأل الله العافية والسلامة ، من موت القلوب ، وعمى البصائر ، وتدني الهمم ، وعلاقات المنفعة والارتزاق الرخيص.)
© 2024 - موقع الشعر