ارع الأمانة يا إنسان أمانة التكليف - أحمد علي سليمان

ارع الأمانة يا إنسانُ ، وارقَ بها
إن الأمانة تُعْلِي شأنَ راغبها

حَمَلتها جاهلاً بما تُحَتمُه
مِن التكاليف قد زِينتْ لطالبها

على السما عُرضتْ والأرض فاعتذرتْ
جميعُهن بزهدٍ في جواذبها

يا أيها الناس جدّوا في الوفاء بها
وأكملوا - في الوفا - شتى جوانبها

هي العروسُ ، فمن يرجو الزواجَ بها
نعم العروسُ تُرَجّي وُدّ خاطبها

وراقبوا اللهَ في سِر وفي عَلن
إن الرقابة تُبلي عزمَ صاحبها

واستكثروا من فِعال الخير ، عِيشتكم
بدونها تصطليكم في مصائبها

إن الأمانة منهاجٌ يُجَمّلنا
وللحياة به هُدىً يَتيهُ بها

لكنها اليومَ تشكو مَن يَضيقُ بها
ذرْعاً ، وتنعي جفا بلوى مُحاربها

ما للرعية في عُيوبها غرقت؟
والخذلُ أسوأ عيب مِن مَعايبها

للهم هبنا رَشاداً نستعينُ به
على الأمانة نحيا في رغائبها

مناسبة القصيدة

(كم توقفت طويلاً عند قول الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). وكم تأملت في هذه الآية! وكم أمعنتُ فيها النظر! قال الإمام الطبري معلقاً في تفسيره على هذه الآية ما نصه: (اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) لنفسه (َجُهولاً) بالذي فيه الحظ له. * ذكر من قال ذلك: عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) قال: الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على العباد. وعن ابن عباس في قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا) قال: الأمانة الفرائض التي افترضها الله على عباده. قال: عن ابن عباس في قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ ...) إلى قوله: (جَهُولاً) قال: الأمانة الفرائض. قال جويبر في حديثه: فلما عرضت على آدم قال: أي رب وما الأمانة؟ قال: قيل: إن أديتها جزيت ، وإن ضيعتها عوقبت ، قال: أي رب حملتها بما فيها ، قال: فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية ، فأخرج منها. وعن معاوية عن علي عن ابن عباس قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ) إن أدّوْها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك ، وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، وهو قوله: (وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) غرًّا بأمر الله. وعن ابن عباس قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ): الطاعة عرضها عليها قبل أن يعرضها على آدم – عليه السلام - ، فلم تطقها ، فقال لآدم: يا آدم إني قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال ، فلم تطقها ، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا رب: وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت ، فأخذها آدم فتحملها فذلك قوله: (وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً). وعن الضحاك بن مزاحم في قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) قال: آدم قيل له خذها بحقها قال وما حقها؟ قيل: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت ، فما لبث ما بين الظهر والعصر حتى أخرج منها. والضحاك يقول في قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ) فلم يطقن حملها فهل أنت يا آدم آخذها بما فيها؟ قال آدم وما فيها يا رب؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقال: تحملتها ، فقال الله تبارك وتعالى: قد حملتكها ، فما مكث آدم إلا مقدار ما بين الأولى إلى العصر حتى أخرجه إبليس لعنه الله من الجنة ، والأمانة الطاعة. وكان من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إِنَّ الأمَانَةَ وَالْوَفَاءَ نـزلا عَلَى ابنِ آدَمَ مَعَ الأنْبِيَاءِ ، فَأُرْسِلُوا بِهِ ؛ فَمِنهُمْ رَسُولَ اللهِ وَمِنْهُمْ نَبِي وَمِنْهُمْ نَبِي رَسُولٌ ، نـزل القرآن وهو كلام الله ونـزلت العربية والعجمية ، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم ، ولم يدع الله شيئًا من أمره مما يأتون ومما يجتنبون وهي الحجج عليهم إلا بينة لهم ، فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن من القبيح.
© 2024 - موقع الشعر