رمضان أشرق! - أحمد علي سليمان

رمضانُ أشْرقْ ما أجَلّ سَناكا
نجْماً أراك تُداعِبُ الأفلاكا

ويُطِلُ مِن عَليائهِ مُتبختِراً
يَستنهضُ العُبّادَ والنسّاكا

يدعو الأنامَ لنوره وبهائهِ
وأراهمُ قد أذعنوا لنِداكا

وتهللتْ سُبُحاتُ طلتك التي
زفتْ إلى أهل الصيام صَداكا

في كل عام نستضيفك زائراً
شهراً تُقِيمُ مُخلفاً ذِكراكا

فيصومُ مَن كتبَ المُهيمنُ سعدهُ
مُسْتملياً - بين الأنام - سَناكا

مُستلهماً منك الدروسَ عظيمة
والأذنُ تستهدي برجْع صَداكا

ويقومُ ليلك مَن تعبّدَ واتقى
يسعى إليك مُعظِماً مَسعاكا

ويُضاعفُ الطاعاتِ عبدٌ فائزٌ
مُستروحاً – في الصالحات - شَذاكا

مُتناولاً منك النسائمَ ضُمّختْ
بالمِسك تنثرُ نفحَهُ يُمناكا

يَستثمرُ المِغوارُ أطيبَ مَوسم
لينالَ بالأعمال تلك رِضاكا

سُوقٌ أقيمَ ، وغرّدَتْ صَفقاتُهُ
حاشاك تَحرمُ مُخلصاً حاشاكا

وعَرضت للتجّار خيرَ بضاعةٍ
كي يُدركوا أرباحَهم إدراكا

وشَرَطت أنك لن تردّ مُوحّداً
أفضى إليك بسِرّه ، وأتاكا

وتنوّعتْ زمَرُ الهُواة يَقودُهم
عزمٌ تُحَرّكُ بأسَه قرباكا

ما بين تال للكِتاب مُرَجّعاً
آياتِهِ ، وبنصّها ناجاكا

ومُفسّر آياً لآخرَ شاقهُ
تفسيرُها كي لا يكون جفاكا

ومُذكّر بالآي عبداً صدّهُ
حُبُ الحياة ، لذا الخسيرُ قلاكا

ومُعلم طِفلاً قراءة آيةٍ
والطفلُ أنصت ما استطاع حِراكا

كفاه: كفٌ بالصحيفة أمسَكتْ
ورأيتُ أخرى تُمسكُ المِحْراكا

كم ذا دعونا ، وابتهلنا للذي
خلق الأنامَ ، وأوجدَ الأملاكا

أنا نبلَغ – في الورى – رمضاننا
رمضانُ مالي والدماءُ فِداكا

وهِلالك الميمونُ هيّجَ خاطري
وسَرى فقلتُ: أبنْ لنا مَسراكا

والناسُ بين مُصّدّق ومُكذب
ماذا دَهاهم يرقبون سّناكا

وطفِقتُ ألحظ فرحة وسعادة
تعرو القلوبَ تطلعتْ لعطاكا

ونفوسَ أقوام تملكها الهنا
فتكلفتْ وتشوقتْ للقاكا

والبُشرياتُ لها الديارُ تهيأتْ
ما وقعُها وبهاؤها لولاكا

رمضانُ ذكّرْنا بأيام مَضَتْ
فيها تجلى النصرُ مِن مَولاكا

فيها البطولة أشرَقتْ أنوارُها
لتُقرّ - يا شهرَ الهُدى - عيناكا

والحق عادَ إلى أصيل نِصابه
ثم اقتفى - بين الأنام - خطاكا

والقوسُ عادتْ في كِنانة مَن بَرى
لتكون - بعد العَود - في يُمناكا

ولكم حوى التاريخُ بين سُطوره
دُرراً تُسامرُ مَن يحبُ ضِياكا

فيك المليكُ الحقُ أنزل آيَهُ
فبلغت مَنزلة بها جازاكا

يا ليت أمتنا تُراجع مَجدَها
وتُعيدُ عِزاً عافها وقلاكا

جعلتْك شهرَ طعامها وشرابها
حتى رأيتُك عاتباً تتباكى

واحتالَ كل مُعربدٍ صَرفَ الورى
عن كل خير في زها مَغناكا

عاماً يجهز في الصوارف تُزدرى
كي لا يَذوق أولو النهى نُعماكا

وهو الذي خبرَ المَناكر كهفها
ورقيمَها ، وغدا الجهاز هلاكا

فهل استطاعَ بما تكلفَ صَرفهم؟
كلا ، فقد خبرَ الجميعُ صَفاكا

بذلَ الكثيرَ من الدراهم زاعماً
أن يفتن العُبّادَ عن حُسناكا

وقد ادّعى زوراً يُسَلي صَومَهم
يا مُفتر لفظ الهُدى دَعواكا

لكنه عضّ الأناملَ حسْرة
لمّا رآهم مُهطعين وراكا

وعَوى ليُرعِبَ مَن تعمّدَ كشفهُ
يا خِب كفكفْ مِن دَويّ عُواكا

هم قاطعوا أفلامَه وغِناءهُ
قالوا: نشاذٌ يا رذيلُ غِناكا

رمضانهم أغناهمُ عن هازل
جلبَ الفسادَ ، وسببَ الإهلاكا

رمضانُ أبدِلهم ، ورَوّ ظِماءهم
وأفضْ عليهم مِن بَها سَلواكا

بك عاينوا خيراً تعذرَ وصْفه
وسحائبُ البُشرى هنا وهناكا

وتلاوة القرآن تختصِرُ المدى
والصومُ مُؤتلقاً يُضيء مَداكا

واسألْ قيامَ الليل عن نفحاته
رحِم المُهيمن عابداً أحياكا

خابَ الذي لم يَغتنمْك تقرّباً
وشكا جَفاءَ القلب ، ثم تشاكى

لم ينتهز فرَصاً أتتْه ليَستمي
ولكي يُزايلَ ضَيعة وهلاكا

والعينُ ما دمعتْ على ما فرّطتْ
نفسٌ أبتْ مما أتتْه فكاكا

والروحُ للهزل الرقيع استسلمتْ
حتى استساغتْ أخذه الفتاكا

وأضاعَ عبدٌ بالهوى رمضانه
والقلبُ طاوعَ وهمَه الشكاكا

لو كان فذاً لانبرى مُستدركاً
ما فاته ، لم يُعْقِب استدراكا

زرعَ الغواة بدربه أشواكهم
والغِر لم يتجنب الأشواكا

كان الضحية للألى مكروا به
نصب البغاة - لمن أطاع - شِبَاكا

لمّا يكنْ فطِناً لمَا هم خططوا
ولذاك عانى الصرفَ والإرباكا

رمضانُ شرّفت الديارَ وأهلها
اشهدْ لعبدٍ بالتقى أحياكا

صامَ النهارَ ، وبعدُ أحيا ليله
وقبيلَ مِيعاد الصلاة استاكا

وتعشّمَ الخيرَ الجزيلَ بشهره
وبأنْ تكون له الشفيعَ رَجاكا

رمضانُ لا تخذله فيما قد رجا
حاشاك تخذلُ مسْلماً ناداكا

مناسبة القصيدة

رمضان أشرقْ! (إنه لا شك في أن شهر رمضان المعظم شمسٌ تطل على أهل الإيمان والإسلام شهراً في العام! فنتملى من إشراقاتها ، ونتزود بالشحنات الإيمانية والنفحات الرمضانية ما يجعلنا عاماً بأكمله في جدٍ واجتهادٍ ، حتى يُدركنا رمضانُ الذي يليه! بعبق الياسمين وجمال البنفسج وطلاوة المسك ونسيم الرحمة ، وعبير المغفرة أقول لكل مسلم مؤمن موحد: تقب الله مني ومنك شهر الخير والبركة وشهر العتق من النار. أسأل الله أن يعطيك: أطيب ما في الدنيا محبة الله تعالى ، وأحسن ما في الجنة رؤية الله تعالى ، وأنفع الكتب كتاب الله تعالى ، وأن يجمعك بأبر الخلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وأن يبلغك رمضان ويبارك لك فيه. أسأل الله الذي لن تطيب الدنيا إلّا بذكره ، ولن تطيب الآخرة إلّا بعفوه ، ولن تطيب الجنة إلّا برؤيته ، ولن تطيب علاقات إلا إذا كانت على نور منه ، أن يديم ثباتك ، ويقوي إيمانك وصحتك ، ويرفع قدرك ويشرح صدرك ، ويسهل خطاك لدروب الجنة ، وأن يجعلك من عتقائه من النار. تقبل الله صيامك ، وأسعد أيامك ، وكل عام وأنتم بخير.)
© 2024 - موقع الشعر