وفاء حتى نهاية العمر! - أحمد علي سليمان

أنصتُّ حتى أستلذ وأكْبِرا
وأرى وفاءك - في المرابع - مُزهرا

ويسيلُ دمعُ العين إعجاباً بما
عاينتُ ، ما هذا حديثاً مُفترى

ومُجاهر بالجود مُفتخر به
وعلى الوفا والبذل يغبطه الورى

كلبٌ ، وقد فقت الأوادمَ همّةً
ورآك كل الناس كلباً خيّرا

فقت الصديقَ تودّداً وتفانياً
إمّا تصدى للخطوب ، وشمّرا

وتبعت خِلك - في الديار - مُرافقاً
وإذا أتاه النومُ عُدت القهقرى

وشمخت لم تعبأ بلومة لائم
عن كل أنياب التندّر كشّرا

وعُرفت بالراعي الذي صاحبته
وبك ازدهى - مُترنحاً - وتبخترا

وكأنما خِلان في هذي الدنا
جعلا الحياة - إلى الصداقة - مَعبرا

حتى إذا مات الصديقُ بكيته
وحضرت غسلاً تستميلُ الحُضّرا

وذرفت دمعك ثاوياً لفراقه
ورسمت درباً للمودّة نيّرا

ونظرت في وجه المُسجّى عامداً
حتى تودّع قبل غربلة الثرى

وجلست ترقب مَن يُغسّل آسفاً
بضمير مَن لاك الجوى ، فتصبّرا

وجميعُ مَن شهدوك قالوا: أخرجوا
كلباً تجاسرَ في البلية ، واجترى

فوجودُه يُقصي الملائكَ جُملة
والكل شدّد في الوعيد ، وأنكرا

لكنهم عجزوا أمام غضنفر
مَن ذا يُجابه في النزال غضنفرا؟

ورأوك تغلب مَن يصدّك ظافراً
ظفراً غدا حِكْراً على أسْد الشرى

ولذا فهم تركوك تشهدُ غسلهم
لمّا رأوْا دمعَ العيون تحدّرا

حتى إذا انطلقتْ جنازة راحل
شيعتها مُتفرداً مُتصدّرا

والكل في جلد ، ووحدك خائرٌ
وكأنما العزمُ التليد تبعثرا

والهمة القعساء سربلها الأسى
ورباط جأشك - في المصاب - تعثرا

حتى إذا بلغوا المقابرَ جئتهم
مُتدرعاً - بالبأس - يصرع قيصرا

ثم اخترقت صفوفهم تُزري بهم
فتخرّصُوا ، جُنَّ الكُليب بلا مرا

ودخلت قبرَ الخِل تُؤنسُ مُكثه
فرداً وحيداً ، هل ستقدرُ يا تُرى؟

فتجمّعوا زمَراً ، وكان قرارَهم
أن يُخرجوك مُحَطماً مُتحسّرا

فأبيت ، حتى وُثقت أشطانهم
لتجُرّ مَن شجبَ الأذى وتذمّرا

حتى إذا ما أخرجوك وسعتهم
لوْماً وزجْراً وازدريت المنظرا

ماذا تؤمّلُ منهمُ أن يفعلوا؟
أن يتركوك لمَا تريد وما ترى؟

أن يدفنوا حياً وآخرَ ميتاً
خاب الذي ظلم الخلائقَ ، وافترى

أن يقتلوك ، وما عليهم فِدية
والجمعُ قدّم في الحلول ، وأخرا

حتى إذا دفنوا انبريت تُسِيمُهم
توبيخ مَن جعل التأففَ مَظهرا

وحفرت ما ردموا لتظفر بالذي
في القبر - عن دنياك - أمسى مُدبرا

أو تنبشَ القبرَ الذي هم أعمقوا
وترى الشريعة مثلَ هذا منكرا

وقد امتنعت عن الطعام ، كأنما
ترجو الحِمام ، فليس ذلك مُضمرا

وأمام قبر الخِل بت مُجندلاً
وبكاك مَن خبَر النبا ، وتأثرا

© 2024 - موقع الشعر