وصية والدٍ لولده! (وهدية لولدي عبد الله) - أحمد علي سليمان

صغيريَ أنصتْ للذي يَسْطرُ الفمُ
ولولا أحبُ الشبلَ ما كنتُ أنظمُ

تذكر وصاتي ، إنها - اليوم - منهجٌ
يسير عليه ابنٌ وفيٌ مُكَرّم

يُحَيّي الهُدى ، لا يستطيلُ سبيله
وليس خذولاً ، إنما الخذلُ عَلقم

يُضحّي لأجل الحق لا يرتضي الخنا
ولكنْ غلامٌ طيّبُ القلب قيّم

يُحب كثيراً والداً كم أرداهُ
عزيزاً أبياً ، بأسُه ليس يُهزم

يُوقرُهُ بين الورى في مشيبهِ
ويعمل بالنصح الأريب ، ويَفهم

ويَعرفُ حق الوالدِ المُحتفي به
ويحفظه ما جنّ ليلٌ وأنجم

ليلطفْ به المولى ، ويحمي جنانه
كأني به يدري الأمور ، ويعلم

تأمل ترى الأخلاق في كل مشهدٍ
يُذكرُك الآباء ، هل ذاك مُبهم؟

فهذا كتاب الله أنعم به هُدى!
وحكمة هادينا ، فداءٌ لها الدم!

فشمّرْ بُنيَ الشهمَ عن كل همّةٍ
فما المهتدي يوماً عن الشر يُحْجم

ولا المهتدي يوماً يُضل بفعله
ولكنه - عند العزائم - ضيغم

يُحبُ المليك البر ، يحيا لدينه
وأفعاله - وفق الهُدى - تتكلم

فأوصيك إني عن قريب مُفارقٌ
ويحمل - ما أوصِي - القريضُ المفخّم

وأنت لما أوصيك أهلٌ ، فغايتي
سماعُك لي ، ثم الرضا والترسم

فأقصرْ ، فإن العمر ماضٍ وراحلٌ
وبين الورى أنت الأشمُ المقدّم

فلا تنتظرْ من أمنياتك ما انطوتْ
على سرده هل - في المنامات - مَغنم؟

تمنيتُ ، حتى قيلَ أنيَ شاعرٌ
وداعبتُ آمالي ، وأمسيتُ أحلم

إلى إن رَمتْ قلبي الأماني بعلةٍ
وبُنيان أحلامي غدا يتهدم

فلما دهاني الشيب أنسِيتُ هاجسي
ونارُ الأسى - في خاطري - تتضرم

وأسعى ، وتسعى العائداتُ تحوطني
وأحبال شوقي - للمُنى - تتصرم

أراها ، فأبكي أنني كنت قيسها
ودمعُ الجوى - فوق الأحاسيس - سَيْجم

لقد كنتُ يوماً - في الخيالاتِ - سابحاً
تناغي فؤادي العف - في الليل - أنجُم

وفرطتُ في جنب المليكِ ، ولم أكنْ
- على ما جنى قلبي من الوزر - أندم

وقصرتُ في ديني فأغضبتُ خالقي
وليلي - بشؤم الموبقات - مُطلسم

شبابي أضعتُ الأمس في غير طاعةٍ
وعُمري - بأوزاري مدى الدهر - مُظلم

هجرتُ القراْن العذب ، لم أتلُ آيَهُ
وقد كان يهدي للتي هيَ أقوم

فأمستْ كلاب الأرض تنهش عزمتي
وأسلمني ذنبي لمن ليس يرحم

فذكّرتُ أيامي بماضي طفولتي
لكيلا يقول الناس: هذا مُحَطم

وجمّلتُ نفسي بادعاءات مُغرض
ولم يَدّكر - صدقاً - فؤادي ولا الفم

لذا لستُ أرجو أن أراك مضيّعاً
لأنك إن زلتْ مساعيك أسْقم

وأنت حُسامي ، إن دهتْني بلية
وأنت سلاحي ، إن دها الدارَ مُجرم

لأنك - في دنيا البرايا - ذخيرتي
وأنت متاريسي وجيشي العرمرم

وأنت رفاقي إن قلا الناسُ ساحتي
وأنت نقودي إن قلا الجيبَ درهم

وأنت قريضي ، واليراعُ ، وفكرتي
وأوزان شعري ، والشعورُ المتيم

وإنك - بعد الله - عوني وناصري
وإنك للعلياء دربٌ وسُلم

أدمْ ذكر رب الناس ، هذي نصيحة
فأرطبْ لسانَ العبدِ بالذكر تسلم

ووحّد إله الكون ، لا تُمسِ غافلاً
وفي ذاك خط الأحاديثَ (مُسْلم)

تعلمْ كتاب الله ، واعملْ بما حوى
وأكثرْ من الخيرات ، تُهْدى وتُلهم

ولا تشركنْ بالله ، أنت موحدٌ
فهل خيّرٌ مِن - بالطواغيت - يُغرم؟

وهل خيّرٌ مَن بالشياطين يقتدي؟
وهل خيّرٌ مَن شِركُه يترنم؟

وهل خيّرٌ - عندَ المَزارات - جاثمٌ
يلوذ ويبكي عندها ، ويُحَمحِم؟

وهل خيّرٌ مَن – للقوانين - راضخ
ويرضى بها ، حتى غدت تتحكم؟

وهل خيّرٌ من باع ديناً ومِلة؟
وأمسى يُحل العُهر ، ثم يُحرّم؟

وهل خيّرٌ من باع داراً عزيزة
لأعدائه ، ثم انبرى يتمسلم؟

وهل خيّرٌ مَن لليهود حمامة
ولكنْ على أهل الحنيفة هيثم؟

وهل خيّرٌ من ذا يغني على المَلا
ويصحب موسيقاه ، والرقصَ يُضرم؟

وهل خيّرٌ من كان يُترع كأسه
بخمر الهوى والقلبُ - بالغِيدِ - مفعم؟

وهل خيّرٌ من سب ديناً وشرعة
ومازال - في سمع الدنا - يتهجم؟

وهل خيّرٌ يفتي بحِل مُحرّم؟
وكائن ترى - في الناس - من يتمعلم!

وهل خيّرٌ من قد تعبّد ماله
ومن يعبد الأموال غِرٌ ومجرم؟

وهل خيّرٌ من صوته بلغ السما
من الفحش بين الناس ، هذا مُذمّم؟

وهل مَن سعى عند الطواغي يدلهم
على المؤمنين الصِيد في السر مُسلم؟

وهل خيّرٌ من عزمه - في الخنا - جثا
وليس له - في ساحة العيش - مندم؟

وهل خيّرٌ من ليس يعرف ربه
ومَن - مِن تكاليف الهُدى - يتبرم؟

وهل خيّرٌ من دينه سَبّ عالم
بغير هُدىً - كلا ، وها ذاك ألأم؟

وهل خيّرٌ من يشتري الصيت بالهوى
ومَن أمرُ تهويلاته ليس يُكتم؟

وهل خيّرٌ من باع – بالمال - دينه
وللطين والأوحال يحيا ويطعم؟

وتلقاهُ ثرثاراً يؤز بقيله
ويقطع في كل الأمور ، ويَجزم

بُنيَ احترسْ ممن نصحتُ موجّهاً
فإن اعتزال الفاسقين مُحتم

وأنت التقيّ الفذ ، فاصحب موحّداً
وإنك - في دنيا البرايا - بُريعِم

وأبشرْ ، فإن الخير عُقبى من اتقى
وإنك - بالخيرات - حيٌ ومُغرم

وجيلُ المخازي - في الأباطيل - غارقٌ
فلا تتبعْهم طرفة ، أنت ضرغم

بُني تمسكْ بالكتاب وسُنةٍ
ولا ترجُ نوماً ، إنما النومُ أرقم

بُني تخلقْ بالتسامي فضيلة
ولا تصحب المِجهال ، هذا غشمشم

ولا تقطع الأرحامَ ، هذي مُصيبة
وفرّجْ كروبَ الأهل ، تسمو وتُكرم

ولا تجتنب إنكار منكر مُعلن
ولا تبق ردحاً - في الأسى - تتهينم

فعُمرك رب الناس مالكُ أمره
ورزقكَ - في جوف السما - يتبسم

وأنت رفيع القدر - صدقاً - ومؤمنٌ
وأنت بصيرٌ ، والطواغيت قد عَمُوا

فخذ من جميع الخلق ما فيه أحسنوا
ورُد عليهم صاح ما فيه أجرموا

على شرط شِرعة الله لا شهوة الهوى
توافقُ ما قال النبي المُعَظم

وتخلصُ - في شأن النوايا - لربنا
وهذا الذي - من شبلنا - أتعشم

أخافُ عليك الموت يأتي مُباغتاً
ألا يومُ موتِ المرء حقاً لأيْوم

وإنْ يدركِ المَرءَ المُقصّرَ حَتفُه
فسوف ترى أطرافه تتلعثم

وينخرس الحرفُ المريضُ مجندلاً
وقد كان لا يرضيه - في الناس - أبكم

تخاف الأذى روحي عليك من الورى
وليت مآسينا - مِن الخلق - تُحسم

وإني لمَا يُضنيك آسى ، وأشتكي
وفرحُك – عندي - عنبرٌ مُتقوم

فلا ينفطرْ - منك - الفؤادُ على البلا
فإن انفطارَ القلب يكوي ويُؤلم

وإن ابتلاء الله – للخلق - سُنة
وليس بلا قصدٍ ، كما تتوهم

فلا بد مِن تمحيص صفٍ موحّدٍ
لكي ينتفي - منه - البغيضُ المُذمم

فإن تصطبرْ ، تلق الجزاءَ مُضاعفاً
وهذا الذي - في صاحبي - أتوسم

تمرّستُ في دنياي ، حتى خبرْتها
فكل الذي - بالدار - وردٌ مُعندم

وسرعان ما ترميه بعد ذبوله
وصِنوان فيها ذو رياش ، ومُعدم

ويمضي قويّ القوم ، مثلَ ضعيفهم
كما ينزوي تيسٌ ، ويذهب ضرضم

فلا تبتئسْ ، إن فاتك العز يا فتى
فللعز أقوامٌ ، له تترسم

وما قيمة العز الذي يُذهِب الهُدى؟
وظني بأن العِز – بالجهل - مَأثم

وما قيمة المال الذي يُذهِب الإبا؟
ولو أن أهل الأرض – للمال - يمّموا

وطالعتُ أفكاراً وعتْها قريحتي
وناقشتُ أقواماً ، فضجّوا وأحجموا

وما كان حِلمي - في النقاش - بنافع
ولا كان لطفي - في الجدال - يُقدِم

حلمتُ كثيراً ، فاستحالوا أوابداً
وهاج كبير القوم – كالليث - يهجم

فلم أنتحب كيلا يقولوا بنصرهم
ولكنْ غسلتُ العار - عمداً - ليعلموا

وأطفأتُ غيظي في مغاني غرورهم
وأظهرتُ كيداً لفقوهُ ، وأبرموا

وأعلمتُ قومي ، أنني اليوم واثقٌ
بنصر المليك الحق إن هم تشرذموا

وكابدتُ ، حتى جاءني النصر باسماً
وليس انتصارٌ – للمهازيل - يبسُم

وعانيتُ - في داري - تحديَ أهلها
وإنّ معاناة الأقارب أشأم

وكان اعتزامي حزمَ أمري وحُرقتي
وإن لبيب الناس - في التو - يحزم

بُنيَ اغتربْ تلق الحياة لذيذة
ويعرفك مَن يسمو ، ومَن يتأقلم

كثيرون ذموا غربة وتغرّباً
ولكنني - في غربتي - أتنغم

نعم أحرقتني غربتي دون رحمةٍ
وما كنتُ - مِن أشواكها - أتظلم

وأثر - في قلبي - نفاقُ أحبتي
ومَن هم - وأجنادُ الفراعين - توأم

ولكنني - عبر الدجُنّات - لم أهِنْ
فقد كان شعري – للمآسي - يُترجم

فكنتُ عزيزاً ، لم تمَس كرامتي
وكيف يُدسّى مَن - له الله - يعصِم

وأقوالُ أهل الحق نورٌ ونعمة
تنير - مِن الهَدي - الذي بات يعجُم

لقد صغتُ أشعاراً تَناغى أوارُها
وكانت حُساماً نصله ليس يُثلم

وكانت مناراً - في اغترابي - مُغرداً
وكانت رماحاً ، إن دَهى الدارَ ديلم

وكانت صُيودي مِن بحار عميقةٍ
طرحتُ شباكي ، ثم في العين مِرقم

فلمّا رأيتُ الصَيدَ يُلقِي طيوفهُ
ويُرسل أنساماً حياءً تتمتم

نظمتُ قريضي ، وادّهنتُ بعطره
وفيهِ تَخِذتُ الكوخ ، فالشعرُ قمقم

فإن القريض العفّ داري ، ورفقتي
وزورقُ أشجاني - به - متهيّم

هو الشعرُ لا يحيا بغير مَرارةٍ!
قروحٌ وأدواءٌ ، رياضٌ ومَأزم

عذابٌ وأفراحٌ ، وجرحٌ ومَوئلُ!
رماحٌ وأسيافٌ ، وطلحٌ وشبرُم

ونخلٌ ورمانٌ ، وشِيحٌ وكندرٌ!
وموزٌ وتفاحٌ ، وسَلقٌ وحِصرم

وليلى وقيسٌ وابن عوفٍ رسولهُ!
ونوقٌ وأكواخ ، وبيدٌ وشيهَم

ويومٌ كحيلُ الطرف صافٍ غديرُهُ!
وليلٌ كسيرُ القلب ثاوٍ وأسحم

هو الشعرُ - كالدنيا - يُضاحك تارة
وأخرى يؤز النفس أزاً وينقم

وإن ينفعلْ ، يعصفْ بحشدٍ يحوطه
وإن يتبسم ، فهْو الربابُ المرَخم

وإن يرض ، فالدنيا جميعاً عشيرُهُ
كأم رؤوم تمنح العطف ، ترحم

بُنيَ احترفْ شعر اليعارب ، إنه
إذا حاطك الأعداءُ درعٌ وصَيلم

وجاهدْ – به - أهل التحلل والخنا
عساهم بما أنشدت أن يتفحموا

ونقح قريضاً قلته دون عدةٍ
فإن القريض العذب تمرٌ وغيلم

وخصمك مهزوم ، فعُدتك الهُدى
وشِعرُك - عبْرَ الحرب - سهمٌ ومِخذم

ومنْ يرتزقْ بالشعر يكسرْ يراعهُ
ومَن يتأدمْ – بالشعر - أمسى يُخمخم

بُنيَ التمس في الناس زوجاً حصينة
تصون الوفا ، تسمو ، ولا تتمسلم

عليها حجابُ الخير عفٌ وسابغ
فلا ينظر العصماءَ ذي متجرم

تسير وسربالُ الحياء يلفها
وجلبابُها كث القماشة أيهم

تُصَلي ، فتكويها دموعُ ذنوبها
ودمعٌ لترتيل التقية مُسجم

لها روحُ صدّيق ، وتقوى مُوحدٍ
وعِز عليها ، ما رأى ذاك (رستم)

بُني اصطحب - في كل حال – مقاله!
وزايلْ مقاماً فيه صرعى وخوّم

فإن لم تفاصلهم ملئتَ سَفالة
عسيرٌ - على الأنذال - أن يتفهموا

نفوسٌ على الأوهام أرغتْ وأزبدتْ
وقومٌ على الأعفان عاشوا ورمرموا

وإياك والهلكى ، فقاطعْ جموعَهم
فليلُ الكُسالى مُكْفهرٌ وحُلكُم

وحافظ على عمر يمر مودّعاً
وإن اجتهاد المرء – للخير - يلزم

وإياك والصرعى على المال ، إنهم
صريعٌ جهولٌ ، ثم آخرُ غيشم

تلاقت - على الدينار - فيه ضمائرٌ
فبئس الورى والمنطقُ المتوخم!

فماتت قلوبٌ - في أساها - صريعة
إذ المالُ إنْ ولى ، لقد تتدمدم

فليست من الأخلاق تدرك ظلها
وأغلبها - في حَمأة الذل - يبصم

وكالمرأة الحُبلى تراهم تشوّقوا
لدينارهم ، والعز إذ تتوحم

ولم يشبعوا ، كلا ، ولم يتورعوا
ولم تُتخذ خوفاً – لديهم - جهنم

أراني أطلت النصحَ ، والنصحُ واجبٌ
سأمضي ، ويُبلي الجسمَ دودٌ وكِلحِم

وحسبي نصحتُ الشبلَ والشبلُ منصتٌ
ونصحي غداً يعلو ضحىً ، ويُعمم

فلا تستطلْ نصحي بُني ، فحيرتي
بأن ينزوي خلف الدجى ، ويُؤمم

فكم من شعور صُغته في مواقفي!
وكم - عن شعوري - دفقة النور تنجم!

وكم من طيوب من سنا الذكر حِكتها!
وأطيافُ شعري - من سنا العطر - هُيّم

أُحذرُ أقوامي ، وألهبُ عزمهم
ولكنّ قومي - من أسى القهر - سُوّم

أسلي - بشعري - مَن بكربي تعللوا
وأصرخ وحدي ، فالمشاليل نوّم

أعيدُ على الأسماع ذكرى (ابن حنبل)
ولا يسمع الذكرى - هنا - متنعم

وأطلبُ منهم أن يُواروا عَوارَهم
إذ القدوة المثلى – لقومي - بَلعَم

إذِ المال أودى بالنوايا وبالمضا
ولم يكُ جباراً ، ولم يكُ يُرغم

بُنيَ تخلقْ بالحنيفة تنتصرْ
فإن العُلا صرحٌ بها لا يُهَدّم

نصحتك ، فاعملْ بالذي قلتُ ، واعتبرْ
وحاذرْ مجاراة الغثا ، أنت أكرم

رجائي بأن تحيا لدين وشِرعةٍ
وإياك والنوكى ، فهم جدّ هُوّم

ختاماً لك الحبُ الكريمُ وقُبلة
وأبشرْ بخير يحتويك ، فتسلم

© 2024 - موقع الشعر