وسقطتْ ورقة التوت - أحمد علي سليمان

هداديكَ ، هذا الحالُ مهزلة عُظمى
وكارثة دَهْيا تُجرّعُنا الهمّا

خدعتَ جميعَ الناس تحسبُهم غثا
وبارزت بالغِش الأكابرَ والدَهما

نسجت - مِن الزيف المَقيت - عِباءة
وأوسعت صِدقَ القول بين الورى ذما

تجملت حتى قِيل: هذا مُمثلٌ
ولمّا تكنْ يوماً بما جئته شهما

وأغريتنا - باللين والرفق - باذلاً
جمائلَ فيها الجودُ والعُرفُ والنعمى

وحجّلت - في الإكرام والبذل - واسعاً
وأعجزتنا كيفاً ، وأغرقتنا كَمّا

وأبديت للناس التفضل والفِدا
وسُقت لهم خيراً – بلا مِنةٍ - جَمّا

وكنت أباً يُعطي وينصح دائماً
وكنت لمن يرجو الصفا والوفا أمّا

وأسديت معروفاً تعاظمَ شأنه
ولم تنتظرْ مدحاً ، ولم ترتقبْ غنما

وأشهرت - في لعن الطواغيت - حَربة
تذودُ بها عن شِرعةٍ حَقةٍ عُظمى

وشاركتني بُغضَ الفراعين كلهم
فقلتُ: أخو صدق أتى يُبعد الأزما

ويُدلي بدلو لا يُشق غبارها
تبرّأ مِن (ليلى) وأعرضَ عن سَلمى

وعاش لهذا الدين يُجْلي منارَه
ويحفظه نصاً ، وينشرُه عِلما

ويبذلُ جهداً في النهوض بشأنه
وإنّ له – في بذله للهُدى – عَزما

فكم فنّد التشكيك قلباً وقالباً
وكم غربلَ الإرجافَ والغِش والزعما

وكم سخر الأشعار في الخير حِسبة
يرومُ انتصارَ الحق ، ما أجملَ الرَوْما

وفاجأنا بالخذل تلفحُ نارُه
فيا ليت شِعري ، ليته التزمَ السِلما

تنكّرَ للمعروف ، لم يعترفْ به
وأحرى به أن يلزم الصمت والبَجْما

وجابه بالجحد الرذيل جمائلي
وأشمت أعدائي ، وكال لي الشتما

وأبدلني مِن طيّب القول سُوءهُ
ومِن عِزتي ذلاً ، ومِن رفعتي ضيما

وأترع كأس الخذل ، لم يحفظِ الإخا
وخاصم لم يخجلْ ، وناولني السُما

وعادى فكان الخصمَ والسيفَ والوغى
وصِرتُ أنا – بعد الوداد – له خصما

ولم يحترمْ عهداً ، ولم يلتزمْ هُدىً
وخمّش أوجاعي ، وساق ليَ الوَهما

وخلفني وحدي ألوكُ فجيعتي
وأستهجنُ الخذلان والغِش والظلما

وأنعي اختياري للمُراوغ صاحباً
وعشتُ له شهماً ، وكان ليَ الجهما

وعلمته الشِعرَ الأصيلَ تقرباً
إلى أن غدا – في نظم أبياته - نجْما

وعانيتُ في تثقيفه دون مِنة
ولم أستطعْ للعلم في نشره كتما

وضاعفتُ جُهدي كي أراه مُنظِراً
وأهديته الإقدامَ والجدّ والحَزما

هو الشعرُ بحرٌ ليس يُدرِك عُمقه
سوى مَن يجيد الغطسَ والصبرَ والعَوْما

وهذا الذي صاحبتُ ليس بشاعر
وإنْ أتقن التقطيعَ والوزنَ والنظما

فكان لزاماً أن أكون مُصابراً
ومَن يُبتلى بالخِب قد يفقد الحِلما

ودرّستهُ عِقداً ، فأثقل كاهلي
فحاز تراثاً صافياً جامعاً ضخماً

ودارت رحى التدريس شرقاً ، وغرّبتْ
ونال بما أسديتُ – في قومه - إسما

فأودى بقرطاسي ، وأحرق عِشرتي
وأودعني الإيلامَ والضنكَ والغما

سلامٌ على الدنيا إذا الخِل خانني
وباع قناعاتي ، ولم يكن الأسْمى

© 2024 - موقع الشعر