وإن تعفوا أقرب للتقوى - أحمد علي سليمان

ألا بالأجر قد فاز الأباةُ
وبالخيراتِ قد ظفر التقاةُ

وإن مكارم الأخلاق تبقى
وتبقى للأنام الطيبات

ويؤجر كل من فعل السجايا
وتحتسب الخُطا والصالحات

وإن صنائعَ المعروف تُعلي
وترفعُ مَن أتاها التضحيات

وإن جمائل الشهم انطلاقٌ
تبشّ له الخلائقُ والحياة

وإن فضائل العادات يسمو
بها فينا المغاويرُ الهُداة

وإن ثمار أهل الخير تحلو
لآكلها ، فهل علم الغفاة؟

وإن الناس تمدحُ مَن تزكّى
وتفخرُ بالكريم المَكرمات

وإن العفو مِن أندى العطايا
إذا ذكرت لأقوام هبات

وإحياءُ النفوس له ثوابٌ
تفوز به النفوسُ الخيّرات

وإن الصفح - في الميزان - أسمى
إذا وزنتْ بكِفته الصفات

وإن الجود بالصفح احتساباً
تهون به الخطوبُ المعضلات

وشِرعة ربنا نفسٌ بنفس
وبالأحكام يرتدعُ الجناة

وفي هذا القصاص لنا حياة
وأيامُ الخلائف شاهدات

هو القرآن يحيي كل مَيْتٍ
وما استويتْ حياة والممات

به التشريعُ فصلٌ مُستبينٌ
وآياتُ الفرائض بينات

به الآياتُ عن حق اليتامى
وآيٌ للقصاص مفصلات

به الآياتُ عن دنيا وأخرى
وآياتُ العقائد نيّرات

وسُنة (أحمدٍ) نورٌ وبشرى
تجشّم نقلها الشُمُّ الثقات

بها تفسيرُ ما في الذكر قطعاً
يواقيتٌ تجمّلها العِظات

أحاديثٌ تنوّر كل قلب
وتغمرُها الرؤى والمعجزات

وفيها النورُ يجتاحُ الدياجي
ويشهدُ بالذي قلتُ الدعاة

وفيها الرشدُ محبورُ المُحيا
وقد ضبط المعاييرَ النحاة

لمن تبع الهُدى أزكى التحايا
مُنغمة يُردّدها الحُداة

على (المختار) من ربي سلام
تصاحبُه التحية والصلاة

ومن تبع النبيَ فساق عفواً
فنعم العفو بل نعم السمات

لقد أهدى الحياة لمبتغيها
وساومَه الرجا والأمنيات

وعنّف نفسه جمرُ انتقام
وسيفُ الموت ضاق به الثبات

وقاوم ثورة بلغتْ مَداها
وكم أزتْ جواه المُغريات

وأقنعَ غيره بالعفو كيلا
يقول الناس هدّده الكُماة

وأغرى الأهلَ بالصفح احتساباً
ولن تبقى مع الصفح الشكاة

هي الآلامُ تذبل بعد حين
وينتحرُ الأذى والعائدات

كمثل الزهرة الفيحاء تزوي
ويذبل بعد خضرته النبات

ويبقى العفوُ في الدنيا قريراً
يتيه كما تتيه الذكريات

ويرسمُه القريضُ لنا قصيداً
يُردّده العباقرة الرواة

وينشره برغم الأنف شهمٌ
عفيفٌ لا تلين له قناة

ومن أحياه عفوُ الناس يحيا
كسيرَ القلب دمعته فرات

إذا ما عاين العافين أغضى
حياءً ، إنّ عفوَهم النجاة

ويذكرُ صفحَهم ، فيسحّ دمعاً
وفي القلب الحزين تأوهات

فقد كانوا كِراماً وهو عاتٍ
فهل مثلُ الكرام غدا العتاة؟

وخيرَ الناس كانوا رغم جُرح
تخرّ له الجبالُ الراسيات

وشرّ الناس كان بلا جدال
وتنقصُه الرويّة والأناة

تقبّل ربنا ممن تسامى
وليس كمثل عفوك أعطيات

ورحمة ربنا أبداً على مَن
ثَوَى ، والآنَ جُثته رُفات

© 2024 - موقع الشعر