(لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً)! - أحمد علي سليمان

راجعْ ضميرَك ، سُوءُ الظنِّ مَذمومُ
ولا تقلْ أبداً: إني لمظلومُ

مازلت تضربُ في تِيهِ الهوى زمناً
حتى انحرفت ، وما أفادَ تقويم

أرادَ ربُّك بالبنات مَرحمة
وأنت مِن خِلفة البنات مكظوم

وظل وجهُك مُسْوَداً صباحَ مسا
وقلت: إني بهذا الحظ مَذموم

وغالكَ الوهمُ ، لم تبرَحْ هواجسَهُ
وجُرحُ قلبك – بالتغرير - مَكلوم

وعِشْت تسألُ مَن دَنَوْا ومَن بَعِدوا
أنا لماذا – من الأولاد – محروم؟

فقال قومٌ: عطاءُ الله مَكْرُمة
والبنتُ سِترٌ مدى الأيام مَحشوم

واصبرْ لعلك تُعطى بعدهن فتىً
يكون رِدْءاً ، وهذا الوَهبُ مَقسوم

وقال قومٌ: تزوجْ بعدُ ثانية
ولا يَصدَّك نحسُ الحظِ ، والشوم

وليس عَيباً ، ولا الرحمنُ حَرَّمهُ
والعُربُ تفعله ، والفرسُ ، والروم

والعُمْرُ يَجري ولا تدري المصيرَ غداً
والغيبُ - عند مليك الناس - مَعلوم

وشجَّعوك على الزواج يَسبقهم
عزمٌ - بأهواءَ في الأذهان - مَحكوم

حتى تزوجت مِن أخرى لتُرضِيَهم
وأنت في خِلفة الأولاد مَنهوم

حتى إذا وَلدتْ سِتُّ النسا ولداً
عَلاك فرحٌ وتطريبٌ وترنيم

وبعد عام أتى مِن بعده ولدٌ
طفلٌ رضيعٌ ، وطفلٌ قبلُ مفطوم

فلم تُطِقْ زوجَك الأولى تكون إلى
جوار ضُرَّرتها ، والزوجُ مَخدوم

حتى البُنياتُ لم يَلقين عطفَ أب
طردتهن ، ودمعُ العين مَسجوم

والأم قد طردَتْ بلا مُراجعةٍ
وقلبُها مِن صَنيع البعل مَهموم

أسكنتهن بدار ما أقمت بها
ولم يكنْ لشقوق السقف ترميم

ولم تكنْ نفقاتٌ منك تبذلها
على البُنيَّات ، فالإذلالُ مَفهوم

والأمُّ خادمة في الدُّور قد عملتْ
فكم يُكَلفها عَيشٌ وتعليم

وأنت عنهن لم تسألْ ككل أب
فحُبُّهن بقلب الأبِّ مَعدوم

أغنتْك زوجُك والأولادُ مُذ يفعوا
عن البُنيَّات ، فالوصالُ مَزعوم

صاروا رجالاً لهم في العيش منطقهم
وعن مساوئهم كم كان تعتيم

وأنت سلمتهم بالطوع أرصدة
رغم استهانتهم ، فخابَ تسليم

حتى أصِبت ، فما التاعوا ولا انتحبوا
بل قسَّموا مالهم ، وساءَ تقسيم

فأفلستْ شركاتٌ كنت قائدَها
إذ لم يكنْ لكتاب الله تحكيم

فما أحلوا الذي الديانُ أحلله
ولم يكنْ للحرام المَحض تحريم

فأودعوك ب (دار الخير) ، ما احتملوا
رَدَّ الجميل ، لكي يكون تجميل

فجاءت الأسرة الأولى مُضحية
وكان منها لراع زلَّ تكريم

تحملتْ نفقاتٍ لا حدود لها
وفي القراطيس أعدادٌ وترقيم

حتى أفقت مِن السِّقام مُبتشراً
وكان منك لِمَا بدأت تتميم

والأصدقاءُ لهم في العون حِصَّتُهم
وعونُهم زانه شُكرٌ وتعظيم

وللبُنيات دَورٌ لا أوَصِّفهُ
في كل وادٍ له ذِكرٌ وتعميم

لذاك أممت أملاكاً وأبنية
كانت مُضيَّعة ، فطابَ تأميم

وفاضَ مالٌ وأرباحٌ وتكرمة
وزالَ صِيتٌ فظيعُ الزيف مسموم

وزال حالٌ وأوضاعٌ يضيقُ بها
صدرُ الحليم ، وبؤس الحال مشؤوم

بناتُ (زيدٍ) وأبناءٌ له نُجُبٌ
مجهولٌ النفعُ ، والعطاءُ معلوم

وليس يدري الذي يُحزيه منفعة
ومن إذا مات قال: الأبُّ مرحوم

النفعُ يعلمُه ربٌ يُزينُ به
قلباً نأى عنه بين الناس تأثيم

مناسبة القصيدة

(تزوج رجلٌ ثريٌ جداً ، بفتاةٍ فقيرةٍ وجميلة! وبعد مرور عام من زواجهما حملت الزوجة ، وكان الزوج في قمة السعادة ، وكان يحلم بطفل لكي يحمل اسمه ، ويمسك الشركات والأموال في المستقبل! وهذا هو هدف الزوج في مخيلته ، ولكن حين أنجبت الزوجة ، وكان المولود فتاة ، هنا انزعج الزوج ولم يتقبل الأمر ، وصارت الأوضاع سيئة على الزوجة! ومرت الأيام ، فحملت مرة ثانية ، وبدأ الزوج يرتب أحلامه من جديد. وعندما وضعت كانت فتاة اخرى ، فغضب الزوج من جديد وأصبح الأمر يسوء أكثر من السابق ، وبعد أيام قليلةٍ قرر أن يتزوج مرة أخرى! وبعد مدةٍ حملت الثانية وأنجبت ولداً! وهنا فرح الزوج ، وطار من الفرحة ، وأصبح كل الحب والاهتمام للثانية وابنها؟ ثم حملت مرة أخرى بعد ذلك أنجبت طفلاً آخر ، صار الزوج لا يطيق زوجته الأولى ولا بناتها ، فقرر أن يُخرجهم من البيت! وقد كان ، فتركهم في بيتٍ صغير مهجور في منطقةٍ بعيدةٍ عن المدينة ، ومرت الأيام ، ودارت الحياة ، وكبر الأطفال! وأصبح الأولاد يدرسون في الجامعات ، وأما الفتيات فيعملن مع أمهن في بيع الحطب في القرية ، بعد أن تركتْ أمهن الخدمة في بيوت الناس! وكان الأب يحب الأولاد كثيراً ، ويعطيهم كل الراحة والرفاهية والدلال! وفي أحد الأيام تعرض الأب لحادث سير وهو راجع من الشركة ، وتم نقله إلى المستشفى ، وتم ٳجراء عملية له ، ثم خرج الطبيب من غرفة العمليات ، وأخبرهم أن والدهم تعرض لكسور في الحوض ، وأصبح مُعاقاً لا يمكنه أن يتحرك ولا يمشي مجدداً. وبعد أيام نقلوه الى البيت ، ثم خصصوا له ممرضة خاصة تقوم برعايته ، وتقوم بإطعامه. ومضت الأيام وهو وحيد لا يأتي إليه أحد من أولاده لزيارته ، وهو معهم في نفس البيت ، حيث يقضي الأولاد وقتهم في التنزه واللعب وصرف الأموال ، ودارت رحى الحياة ، ثم بدأت الأموال تنقص والشركات تفلس والممرضة قدمت استقالتها لعدم صرف مرتباتها منذ شهور ، ثم قرر الأولاد وضع أبيهم في (دار الخير) أو دار العجزة! فتم نقله بالفعل هناك وهو يبكي وعيناه تقطر دماً بدل الدموع! فلما علمت الزوجة الأولى ما حصل لزوجها وأنه تم نقله الى دار العجزة ، ذهبت مع بناتها وأخرجوه ونقلوه إلى بيتهم الصغير ، وبدأ الكل بالاهتمام به! وكانت الزوجه مع بناتها تعمل وتجمع المال من أجل علاج زوجها ، وبدأ الأب يتحسن ويقف على قدميه من جديد ، وبعد عام شفي الزوج تماماً وأصبح قادراً على الحركة! وهنا تذكر الزوج كل ماحصل له من أولاده وأمهم وبدأ يتأسف من زوجته ومن بناته ، وهو يبكي لِما فعله معهم ، وذهب بعد ذلك لأحد أصدقائه واقترض منه المال وأرجع شركاته لسالف عهدها واستعاد كل ما ضيَّعه أولاده ، وأخذ زوجته وبناته وعاد بهم إلى الفيلا ، وبعث بزوجته وأولادها إلى ذاك المكان الصغير ، وقال لهم: هذا هو مكانكم الصحيح! أنتم عار علينا! لقد تركتموني في أول سقوطٍ لي أيها الأوغاد ، رغم كل الذي فعلته لكم! لقد ظلمت زوجتي وبناتي من أجل راحتكم ، وفي المقابل أين وضعتموني؟ في (دار الخير) ، دار العجزة ، رغم ما فعلته بهن ، وحرمتُهن من حنان الأب وحرمتهن من العلم والراحة ، ولقد تركتهن وحدهن للعذاب والشقاء ، ورغم كل هذا أخرجنني من دار المسنين وقمن برعايتي ، حتى صرت أقف على قدمي. لقد كنت مخطئاً حين فضلتكم عن البنات ، ولكن عرفت نعمتهن وفضلهن في أمس حاجتي لهن. وأصبحت الأم تعيش مع بناتها في نعيم والدهم! وصدق الله: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)! كتبت في هذا على البحر البسيط!)
© 2024 - موقع الشعر