وأجري على الله! (ربت لقيطا) - أحمد علي سليمان

يا ربة الفضل ، دام الفضلُ والكرمُ
يا من رحمتِ الذي - في المهد - يبتسمُ

وكنتِ أمّاً وأصحاباً وعائلة
لمن أتى للدنا ، وما له رحِم

وكنتِ باقة آمال تُسامرُه
إن هدّه اليأسُ والإحباط والسأم

وكنتِ بدراً منيراً في حوالكه
وكنتِ نجماً شدتْ بنوره النجُم

وكنتِ نجدته ، إذ عز ناصره
في مِحنةٍ صغرتْ حِيالها الإزم

وكنتِ حِصناً يقي من كل قاصمةٍ
إما تعاورتِ الأهوالُ والقصُم

وكنتِ درباً - مدى الأيام - يسلكه
إما الدروبُ نأتْ ، أو عز مصطدم

وكنت دِرعاً له في كل نازلةٍ
كفارس أعزل تغتاله النقم

لم يقترفْ - من ذنوب الناس - خردلة
وفي المعائب ما زلت به القدم

لم يدر ما الإثم فضلاً عن كبائره
كلا ، وما نزلتْ – بساحه - التهم

هو البريء - من الأوزار - جاء بها
زان وزانية أعماهما النهم

أودى بكلٍ جنونُ الشهوة انفلتتْ
من القيود التي قد سنها السلم

كلٌ أطاع نداء النزوة احتدمتْ
في القلب ثم طفتْ - من فوقها - الحُمَم

كلٌ لداعي الهوى أرخى إرادته
مثل الجواد وهتْ – في جيده – اللجم

كلٌ تمرّغ في بيدا غرائزه
من بعد أن غابتِ الأخلاقُ والقِيم

كلٌ تنازل عن تقوى تُجمّله
بها يُصانُ ، فلا يَخزى وينهزم

كلٌ هوى النفس - بين الناس - سربله
فلم يعد - بهُدى الإسلام - يلتزم

كلٌ لوسوسة الشيطان منتصتٌ
ولم يكن - بدعاء الله - يعتصم

كلٌ - بمتعته الرعناء - ملتحفٌ
تلك التي أصبحتْ – بالفحش - تتسم

كلٌ تلبّس – بالفحشاء - يعشقها
وكلُ صب هوى العُشاق يقتسم

فكان هذا الفتى نِتاجَ فِعلتهم
من بعد أن لم تعُدْ جُلّى ولا قِيم

جاء الحياة بريئاً يستهينُ به
كلُ الأراذل ، إنْ راحوا وإن قدموا

جاء الحياة ليشقى في مرابعها
كأنه العبدُ لا عِرضٌ ولا حُرَم

جاء الحياة ليلتاط السبابُ به
ولا يَردّ ، فقد أصابه البكم

ماذا يعوّض أنساباً إذا افتقدتْ؟
ومن - بأصل اللقيط - اليوم قد علموا؟

فمن أبوك؟ سؤالٌ لا جواب له
على اللسان – برغم الأنف – يعتجم

لا تسمع الأذنُ السؤال يُحرجُها
خيرٌ لها الصمتُ والإطراقُ والصمم

ومن أبوك؟ سؤالٌ يُستفز به
عبدٌ بجُرم سواه – اليوم - يُتهم

ومن أبوك؟ سؤال لا يُردده
إلا سفيهٌ - من اللقيط - ينتقم

ومن أبوك؟ سؤالٌ يَستطيلُ به
من رام كيداً به تُستجلبُ الغمَم

ومن أبوك؟ سؤالٌ ليس يكتبه
إلا عذولٌ - به - يستهزئ القلم

ومن أبوك؟ سؤالٌ خاب طارحه
منه استغاث الصُوى والنص والكلِم

حتى أتيتِ - له - في جُب محنته
وحوله الترب والقضيضُ والأكم

رَفعتِ عنه عذاباتٍ ينوء بها
إذ سمتكِ الجودُ والتفضيلُ والكرم

وعُلتِه بغية الأجر الجزيل غداً
بُشراكِ بشراكِ هذا العَوْلُ مُحترم

وجُدتِ ، لم تبخلي بالبذل طامعة
فيما يُثيبُكِ ربٌ منعمٌ حكم

رفعتِ – عن كاهل اللقيط - مُؤنته
وللمكارم – في دنيا الورى - سِيَم

وبعدُ أرضعته من أختكِ الرضعا
تِ الخمسَ طاب الحليبُ العذبُ والطعم

كي تُصبحي للفتى أم الرضاعة في
شرعيةٍ سَنها نبينا الهشم

وابن الرضاعة قد سيق الفخارُ له
فتلك أمٌ لها – بين النسا - شمم

أبشرْ بخير ، فقد ألفِيتَ مفتقِداً
للوالدين ، وذي يا مبتلى قِسَم

ونصف عارك أنهتهُ مُربية
مِن بعد أن لاذ – بالفرار - مُجترم

تقول: أمي ، ولم ترضعْك رضعتها
كلا ، وما حمل الجنينَ ذا الرحِم

تقول: أمي ، ولم تكن لها ولداً
وفيك حار البصيرُ الناقد الفهم

إذ بالرضاعة صِرت ابناً له صِلة
يُقرّها العُرفُ والأعرابُ والعجم

والأم خالة إذ جادت شقيقتها
جوداً بإرضاع من أودى به السقم

وزوجُ من أرضعتْ أبٌ لراضعها
سبحان رب له – في خلقه – حِكم

أصبحتَ تملك أماً أرضعتْ وأبا
وخالة كفلتْ ، والأمرُ معتلم

يا ربة البذل ، نعم البذلُ جُدتِ به
جوداً تقاصرَ عن أدائه أمم

وعندك الوُلْدُ ، لكنْ زدتهم ولداً
وفي الفؤاد لكل منهمُ رُحُم

تقبّل الله سعياً عَز صانعه
إن الجراح بحسن السعي تلتئم

وأخلف الله أموالاً جبرتِ بها
كسراً ، بجودكِ زال الكسرُ والكلِم

أسعدتِ بالجود قلباً كاد يقهره
ذل السنين ، وفرداً كاد ينهدم

نفثت في رُوعه عزماً يدل به
فلم يعقْ سيره نحو العلا وهَم

فبارك اللهُ في طفل وحاضنةٍ
ووفق الله فضلى خيرُها عَمم

© 2024 - موقع الشعر