يا هذه اعدلي بين رضيعيك! - أحمد علي سليمان

أحرى بكِ العدلُ في التوزيع والقِسم
إن كان يَعنيكِ أمرُ الواحد الحكم

ما العيشُ إن لم يكنْ عدلٌ يُجَمّله
ويُشعِرُ الناسَ بالأفضال والنعم؟

وأقسطي إن في القِسط النجاة لنا
من المهالك والداءات والإزم

أمُّ الرضاعة كالأم التي ولدتْ
وذاك واللهِ شرعُ المصطفى الهشم

وذاك أمرٌ عليه الناسُ قد دَرَجوا
وضاربٌ حُكمُه في العُمق والقِدم

وما تغيّر نصٌ في شريعتنا
أم بات قلبكِ حقاً غير ملتزم؟

الاثنان كلٌ بحكم الشرع مرتضعٌ
وإن كلاً له وشيجة الرحِم

والعدلُ بينهما يزيدُ حبهما
ستُفلحين إذا عدلتِ في القِسَم

أنتِ التي اخترتِ ، ما أغراكِ من أحدٍ
وقلتُ: تفعلُ مثلَ النسوة العُصُم

تُؤوي الرضيع ، وتسعى في مصالحه
وتبذلُ الحب عن طوع وعن رَغم

وتنفقُ المالَ في عُسر وفي سَعةٍ
كيلا يعيش ابنها في فقره الوَخِم

وتصطفيه بأرجى العطف مُخلصة
بخاطر في التسامي بالغ العِظم

وتستطيلُ على النسوان واثقة
من أن ما صنعتهُ جد محترم

وليس تهجرُ ، والبيوت دانية
هجرانَ كارهةٍ فرّتْ مِن الغمم

وليس تهملُ في إبن يبادلها
حب الأمومة في شوق وفي نهم

وليس تقسو على من أرضعت أبداً
فلا يُلاقي سوى الإيلام والوصم

وليس تجعلُ من رضيعها هدفاً
للعائدات وللهموم والقحم

مَن أرضعت أختكِ الحنانُ موعده
أمسى يُعامل بالتدليل والكرم

ويُستشارُ ، ولا تُقصى مطالبه
وإن تكلم قالوا: أعذبُ الكلم

ويَطربُ الكل إن ناغى بلثغته
كأنما صوته لونٌ من النغم

رضيعُ أختكِ ها ذاك اللقيط ، فلا
أباً علمتِ له في سائر النسم

وليس أمٌ له كانت مُربية
لكنّ فاجرة ألقته كالرمم

أما الرضيعُ الذي أرضعتِه مِرَراً
وصرتِ أماً له في شِرعة السلم

هذا الرضيعُ له أبٌ ووالدة
ترفعا عن حضيض العيب والتهم

أمسى بذلك إنساناً له نسبٌ
فلا يُعايَرُ بين الدور والأمم

أراكِ أهملته من كل مَكرُمة
إهمال مَن أوغلتْ في الغي والحُرُم

أهملته في زها عقدين قد مَضيا
فهل برئتِ من الأعراف والقِيم؟

وما سألتِ عن الأحوال ضاق بها
ذرعاً ، وعانى من البلاء والسدم

كلا ، وما زرته تشجين غربته
تلك التي مُلئتْ بالضنك والألم

ولم تمدّي له بالجود كف عطا
فخاب ظن الفتى في الأم والحشم

ولم تكوني له أمّاً يتوق لها
إن كان مُنفطِماً أو غيرَ منفطم

ولم تُعدّي لهذا الشبل عُدّته
مِن مَخبر نضِر ، أو مظهر سنم

ولم تكوني له ردءاً يتيه به
ولم تضيئي له القنديلَ في الظلم

ناشدتكِ العدلَ يا أختاه بينهما
وأجعلُ النصحَ في بدءٍ ومُختتم

© 2024 - موقع الشعر