وهل من مات يعود إلى الدنيا؟ - أحمد علي سليمان

بذلتُ لكَ التأيّمَ والشبابا
وعيشاً بالعُزوبة مستطابا

وعانيتُ الكثيرَ لكي تُعافى
وصارعتُ المخاطرَ والصعابا

وواجهتُ الوُشاة بصدق قولي
وصُغتُ لكل مسألةٍ جوابا

وبارزتُ الأوابدَ والضواري
وجاهدتُ الثعالبَ والذئابا

وقدتُ سفين عيشي دون خوفٍ
لتمخرَ – رغم شِدتها - العُبابا

وجادلتُ الخلائقَ عن حياتي
ونقحتُ المقالة والخِطابا

وقلتُ لهم: سأحيا دون زوج
وعند الله أحتسبُ الشبابا

ولن أرضى مدى عمري بزوج
يُذيقُ ابني الإهانة والعذابا

فقد عاينتُ يا كم من بلايا
وكان خِتامُ أغلبها الخرابا

وكم عايشتُ آلاف الحَكايا
ومنها القلبُ ينتحبُ انتحابا

فلابني عشتُ أكْلأه بعطفي
ومِن رب السما أرجو الثوابا

وأغمر عيشه حباً وشوقاً
وأشْرِبه الشريعة والكتابا

وأجعلُ منه عبداً مستقيماً
إلى التوحيد ينتسبُ انتسابا

وأسأله عن الصلوات دوماً
وأحزنُ لو عن العينين غابا

وعاش ابني ، وقلدني المعالي
وحقق ليْ الدعاء المستجابا

وعوّضني عن الحرمان عيشاً
مِن الأحلام يقتربُ اقترابا

إلى أن قال: أمي زوّجيني
بفضلى في هواها القلبُ ذابا

فقلتُ له: ألا اخترْ مَن تُصافي
ودعْ عنك الفضولَ والارتيابا

وأمك سوف تُوليك اهتماماً
ترى مِن بعده العجبَ العُجابا

وأحسنْ الاختيار ، وكن حكيماً
ودونك يا فتى الغِيد الكِعابا

وذاتُ الدين أفضلُ مِن سِواها
وكل فتىً تجاوز تلك خابا

وقال ابني: لقد حققتُ قصدي
وغربلتُ الحواضرَ والشِعابا

وآثرتُ التي سكنتْ فؤادي
وبين الغِيد تدّرعُ الحجابا

فقلتُ له: عليك بها ، وعَجّلْ
فإن على ذوات تقىً طِلابا

وزوّجتُ الفتى ممن يُصافي
وأسعدني بأن العيشَ طابا

وكنتُ لزوجه أماً رؤوماً
أناولها المطاعمَ والشرابا

وأهديها القلائد فاخراتٍ
وأنحلها الأساورَ والثيابا

إلى أن أسفرتْ عن كيد أنثى
كأفعى بدّلتْ عنها الإهابا

فحوّلتِ الحياة إلى جحيم
وبات العيشُ يضطربُ اضطرابا

فقدمتُ المواعظ شافياتٍ
وحبّرتُ التلطفَ والعِتابا

فلفقتِ الدسائسَ والتجني
وأكثرتِ التشفيَ والعقابا

وحارَ ابني أيوسعُني ملاماً؟
أم الصمتُ الطويلُ يسدّ بابا؟

فأمسك عن عقوق الأم حيناً
وعضّ على جماح النفس نابا

وصدّق زوجة يرجو رضاها
وعاب نصيحتي العصماء ، عابا

وطالتْ وَحشة بلغتْ مداها
وأما ابني فبالخذلان آبا

فقلتُ: نزورُ بيت الله ، نمحو
بلاءً ساق للبيت اكتئابا

لعل بعمرتي ينزاحُ كربي
وننزعُ الاحتقانَ والاحترابا

ونختصرُ الخطا طالت علينا
فعاقت في مسيرتنا الذهابا

لعل ابني يعود إليّ شبلاً
له (دَلعُ) الشباب إذا تصابى

لعل عروسه بالتوب تسمو
عن الأحقاد زادتنا اغترابا

وخاب الظن فيمن كان حولي
وأمست فرحتي بهما سرابا

وكنتُ أراهما أهلي وقومي
وبيتي كان قبلهما يبابا

وكنتُ أراهما طيفاً سميراً
دنا مِن ناظريّ ، فكان قابا

وكنتُ أراهما دنيا حياتي
إذا حميَ اللظى كانوا الربابا

وكنتُ أراهما نوراً عميماً
فإن عمّ الدجى كانوا الشِهابا

وكنتُ أراهما نبعَ العطايا
كمثل النخل يمنحنا الرِطابا

إلى أن أخلفا ظني وعهدي
وأحدث ذلك الخلفُ انقلابا

وهبت بيننا ريحُ التجافي
وكلٌ في التكلف ما أصابا

إذ اتفقا على الخلاص مني
وسيلُ الغدر ينساب انسيابا

ولم يكُ شافعاً لي طعنُ سني
فقد ودّعتُ أيامي العِذابا

وكنتُ أخذتُ مِن مالي نصيباً
أعيد به - وقد شبتُ - الشبابا

وأخرجتُ الزكاة على نقود
لأيتام يُعانون السغابا

عليها العامُ مرّ مرورَ طيفٍ
وفي المقدار قد بلغ النِصابا

وشِبلي نفذ الخطة جَزلاً
ليجعلَ مِن حليلته غرابا

وإن كان الغرابُ دليل قوم
لأطعمهم – مع الجيف – الذبابا

وأوصاني أن انتظري سنأتي
ولم يكُ - من أسى فِعْليه - هابا

فقلتُ له: سأفعلُ يا حبيبي
وقلتُ: يعودُ إن ولى وثابا

فلم يرجعْ ، ولم أرجعْ إليهِ
فقد خلعَ الجوار والارتبابا

وعُدتُ إلى الديار بلا رفيق
وهاج الكيدُ ، وانتصبَ انتصابا

وقلتُ: أعيشُ في ذا القصر وحدي
فإني ارتبتُ في ولدي ارتيابا

لقد تهديه زوجته لقتلي
خِداعاً ، أو نَكالاً ، أو غِلابا

ولمّا عاد قال: ندمتُ أمي
وأعلنتُ الإنابة والمتابا

فقلتُ له: بُنيّ إليك عني
أنا ابني ماتَ ، هل من مات آبا؟

© 2024 - موقع الشعر