مُكرهٌ أستاذكِ لا بطلٌ - أحمد علي سليمان

يا (ريمُ) هيّجتِ ما في القلب من سَقم
وخمّش القولُ ما في الروح من ألم

وحِكْتِ مَرثية - في النفس - دامية
بقصةٍ وَقعُها مُستشرفُ العِظم

ويح المعلم أمسى اليوم في شغل
وحاله اصطبغتْ بالهم والوصَم

وغربلتْه - مدى الأيام - أجهزة
وخلفتْه بهذا الموئل الوَخِم

يُمْسي ويُصْبحُ مُلتاعاً بصدمته
وفي البلاء يُعاني شِدة الغمم

بالأمس كانت له - في الناس – هيبته
ومَن يهبْه الورى يُكْرَمْ ويُحترم

وكان يرفلُ في عِز وتكرمةٍ
بها يُشارك في منظومة القيم

والأمرُ ما أمر الأستاذ في ملأ
والنهي ممتثلٌ في القوم عن رغم

يعيشُ فيهم عزيزاً لا يُهدّده
قوتٌ ولا عوَز في الصبح والغسم

يسير - بين جُموع الناس - مُبتشراً
مُعَظمَ القدْر مِن كهل ومُحتلم

يقول فصلاً ، ولا تُردّ كِلمته
ويُصدِرُ اللفظ عن علم وعن حِكَم

لا يُستهانُ به - في مجلس – أبداً
ومَن يُهن شخصه يُهجَرْ وينهزم

ومَن ينلْ عِرضه بالسوء مُجترئاً
عليه يُزجرْ ، وبالإجرام يُتهم

كان المعلمُ معتزاً بسيرته
بين الأناسيّ في نبل ، وفي شمم

لم يرضَ في عيشه دنية سفلتْ
بل ماس في مظهر مستشرفٍ سَنِم

لم يقبل الدون مجبوراً ومنكسراً
بل عاش مستمياً في كل مصطدم

لم تُغره متعُ الدنيا ، فيعبدها
بل كان مؤتسياً بالمصطفى الهشم

رمى بها خلفه بلا مواربةٍ
فخصّه ربه بالفضل والنعم

غدا (الأفنديّ) و(الباشا) له لقباً
ناهيك عن طيّب الألقاب والسيم

وحاز من طيب الأموال في زمن
ما حازه بعضُ أهل العز والحشم

وعاش يُقرضُ من يرجو مُداينة
وما اشتكى جيبه شيئاً من الإزم

وعاش يُعطي بلا مَنّ مَنِ افتقروا
كانوا الأباعدَ ، أو كانوا أولي رحم

وعاش يُكرم ضيفاً حلّ منزله
حتى ليشهد هذا الضيفُ بالكرم

وعاش يَعذرُ طلاباً إذا اجتهدوا
فأخطأوا القصد في بُحبوحة العشم

معلم الأمس في هذي الدنا ملكٌ
سما عن الشبَه الرعناء والتهم

بين الأماجد يُكْبره الألى رشدوا
في عالم العُرب ، أو في عالم العجم

واليوم أهل الهوى قلبوا المجنّ له
فعاش في حالةٍ أدنى من العدم

تعمّدوا جعله لكيدهم هدفاً
وأرسلوا - فوقه - سيلاً من العرم

لم يرحموا ضعفه فيما ألمّ به
حتى اعترتْه عذاباتٌ من السقم

وجرّعوه كؤوس الذل مترعة
حتى يسربل بالتيئييس والسأم

وأسقطوا هيبة كانت تُجلله
فلم يعد شامخاً بالعِلم كالعَلم

وناولوه - من الفقر الرهيب - مدىً
بكفّ محتقر ، وغل منتقم

وجرّدوه - من الألقاب - تشفية
وأغرقوه بآبار مِن القحَم

فسلْ عن القهر في سر وفي علن
وليس يقوى - على تصويره - قلمي

وسل عن الدَيْن مِن زيدٍ ومِن عُمَر
كيف السدادُ لدَين شط في الرقم؟

معلم اليوم أحنى رأسه خجلاً
وساءلَ الناسَ ما ذنبي؟ وما جُرُمي؟

أنا الذي أبذلُ العلوم واضحة
لكل نشأ بلفظٍ غير منبهم

وما بخلتُ بأفكاري وتجربتي
حتى أرى خِيرة الطلاب كالنجم

علمتهم دون إهمال ولا ملل
ولم أخنْ عُهدتي كخائني الذمم

رسّختُ فيهم خِصالَ الخير محتسباً
على المليك الذي رسّختُ في نهم

لم آلُ جهداً ، وما فرّطتُ في عمل
حتى أراهم جميعاً شامخي الهمم

معلم اليوم في بلواه منجدلٌ
يشكو مصائبه للواحد الحكم

وإن يُقارَن بما أخوه عايشه
بالأمس ، شتان بين النور والظلم

فعنه يا رب فرّجْ كُربة عظمتْ
قلبي يؤمنُ ، والدعا يجوب فمي

إني جعلتُ دُعائي بعض واجبه
إن الدعاء - له - من أعظم السبب

فداهُ نفسي وأموالي وما ملكتْ
يدي يقيناً ، وأفدي عِرضه بدمي

© 2024 - موقع الشعر