مروءة نادرة! (جمعوا ليعوضوه سيارته) - أحمد علي سليمان

مِن أي جيل أيها الأصحابُ؟
وبأي أرض أيها الأحبابُ؟

خانتكم الأجيالُ ، ما اعترفت بكم
وقلتكُمُ الأقوامُ والأحساب

وتنكرتْ كلُ القبائل والقرى
واستبعدتْ قرباكُمُ الأنساب

واستغربتْ أوصافكم أصقاعُنا
واستهجنتْ ما جئتمُ الألباب

وتناءتِ البلدانُ أنتم أهلها
وتباعدتْ - بين الورى - الأحقاب

إني لأعجب مِن تكافل جمعِكم
وقصيدتي - عن دهشتي - إعراب

وأرى الخيالَ بعينه أخبارَكم
أو إن مَن يهذي بها كذاب

وأكادُ أجزمُ أن هذي فرية
إذ إنني - في صدقها - مرتاب

وأشمّ في الأحداث أنّ وقوعها
بين الأنام - بدارنا – تلعاب

هذي المروءة قد مضى أربابُها
وقد انقضتْ لما ارتقى الأرباب

والناسُ بين مؤلهٍ دينارَه
أو ممسكٍ ، أو باذلٌ فمُعاب

ومَن اتقى تقتيرهم ظفروا به
نيلاً ولعناً ، قلتُ: ما الأسباب؟

قالوا: سخيٌ في زمان مُقْترٍ
كل الألى ضحّوْا وجادوا خابوا

أما الألى بخِلوا ، فصانوا مالهم
إنا نراهم أفلحوا ، وأصابوا

الشحّ أسمى مِن نوالك رتبة
وانظر لمَن طلبَ الفقير أجابوا

تلقاهُمُ في حالةٍ يُرثى لها
ولكل فقر مُدقع أنياب

الفقرُ طالَ لحومَهم وثيابَهم
ما المرءُ إنْ لحمٌ ثوى وثياب؟

جاعوا ليَشبعَ غيرُهم يا للأسى
وعن الديار وأهلهم قد غابوا

ظمئوا وغيرُهُمُ ارتوى مُتضلعاً
والزادُ فاض ، وبعدُ طف شراب

فتحوا البيوت لضيفهم وقريبهم
ومُرادُهم - عند المليك - ثواب

واستيقنوا ردّ الجميل تكلفاً
ممن خيورَهُمُ جنوا ، وأصابوا

فإذا هم خذلوا ، وضاع جميلهم
من مَعشر فتِحتْ لهم أبواب

حتى إذا ملكوا البيوت تكبّروا
وتنقصوا ذا المَكرُمات ، وعابوا

والبعضُ عايره بسالف حاله
أواه إذ يهجو العُقاب غراب

والبعضُ سبّ مُعرّضاً بعيوبه
وسلاحُ كل المفلسين سِباب

والبعضُ عاب مُشَهراً بفضوله
للطامعين ببرقع وحجاب

قلتُ: اخسأوا إن المروءة لم تزلْ
في الخيّرين ، لها إذن أقطاب

يهبون مَن طلب المعونة حِسبة
فإذا سعى خلف الذين ارتابوا

فاللهُ يُخلفُ للكِرام عطاءهم
فهْو الجوادُ المُكْرِمُ الوَهّاب

© 2024 - موقع الشعر