ليته كان ولدي - أحمد علي سليمان

اليُتمُ مدرسة بالعزم تختضِبُ
ومَن تأملَ فيها هزه العَجَبُ

فيها العِصامية الزهراءُ يانعة
فيها العطا والوفا والعلمُ والأدب

فيها الترفعُ عن هزل وعن سَفهٍ
والدارسون بها رئبالة نجُب

فيها المناقبُ أعيتْ مَن يُحيط بها
وصفاً ، وإن كان في تطبيقها التعب

فيها العذاباتُ تحلو رغم شِدتها
فيها البلاءاتُ – عند الله - تُحتسب

فيها من المِحن الدهياء أشرسُها
وهولها - بدم الأيتام - يختضب

لكنما اليُتم يُعطيها حلاوتها
فلا تُعكرُ صفوَ العيشة الكُرَب

وكل كافل أيتام جوائزه
عند المهيمن يومَ البعث تُطلب

في جنة الله ، إذ حُق الدخول له
والجارُ (أحمدُ) نعم القُرْب والقِرَب

أنا بذلتُ - الذي بذلتُ - محتسباً
وعند ربك لا تُضيّعُ الحِسَب

كفلتُ هذا اليتيمَ البرّ أجعله
ذخراً ليوم الجزا ، والنفسُ ترتقب

علّمته القيمَ المُثلى ، فأشْرِبَها
حتى غدا - للتقى والخير - ينتسب

تصارعتْ فيه أخلاقُ مُشتتة
فكان للبر والفضائل الغلب

عاملتُه مثلَ أبنائي مُجاملة
لراحل جاد ، إمّا حلتِ النوب

فكنتُ والدَه من بعد والدِه
وكان لي ولداً في قلبه حدَب

واعتدتُ صُحبته في كل معتركٍ
والله باركَ مَن قد كنتُ أصطحب

به افتخرتُ - على الأبناء - قاطبة
الرأسُ هذا ، وأبنائي همُ الذنَب

كان العزاء لمن أبناؤه جنحوا
إلى العقوق ، ونحو الباطل انجذبوا

أنذرتهم فطغوْا ، حتى كرهتهمُ
والقلبُ - مِن ذِكرهم - يبكي ويكتئب

أما اليتيمُ ، فبالإحسان عَوّضني
وذِكْرُه السعدُ والإيناسُ والطرب

كان النسيمَ ، إذا ما القيظ أحرقني
أو غالني - مِن ضنا أبنائيَ - اللهب

كان الصديق ، إذا ما الأصدقاءُ جَفوْا
برغم أنْ لم يكن قرْبٌ ولا نسَب

كان الكريم ، إذا ما عِترتي بخِلتْ
كان الصدوق ، إذا جُل الورى كذبوا

لمّا يكنْ قط نذلاً في معاملتي
والنذلُ - مهما سَما - يُزوى ويُجتنب

لمّا يقل: مأربي مِن الوَصِيّ خبا
وحاجتي قضيتْ ، وقُطّعَ السبب

لمّا يقلْ: أشيبٌ مُعَوّقٌ خرفٌ
ومَن يلوم على ما اليومَ أرتكب؟

لمّا يقلْ: عَقه الأبناءُ دون حيا
فهل يُلام - على التقصير - مُغترب؟

لمّا يقلْ: مُقعدٌ أعباؤه ثقلتْ
والحَل فيما أرى الخذلانُ والهرب

لمّا يقلْ: زوجتي أولي بسيّدها
وبيتها - لغياب البعل - يضطرب

لمّا يقلْ: هدّني يُتمي وجندلني
وفاتني اللهوُ – كالأطفال - واللعب

لمّا يقلْ: وئدتْ طفولتي وغدي
والعيشُ سربله الإعياء والنصب

لمّا يقلْ: قهرَتْ نفسي بموت أبي
ومِت يوم طوتْ جثمانَه الكُثُب

بل كان شهماً أصيلاً دائماً أبداً
يجودُ جُودَ الذي ما زاره سَغب

وعاش مستبشراً بالخير مُلتحفاً
لا يألفُ اليأسُ رؤياهُ ، ولا الرهب

ردّ الجميل قناطيراً مُقنطرة
مِن العطاء كبحر شقه العُبب

لم يألُ جُهداً ، ولم يبرحْ مُلازمتي
لمّا غزا العظمَ والمفاصلَ العطب

ألفيته رجُلاً في كل نازلةٍ
هو الشريفُ ، ومَن هم دونه خشُب

أجلى عن الشيب آلاماً تُعكّرهُ
حتى نأى عن حياتي الحزنُ والوَصَب

أعاد لي همة الشباب ناضرة
فعشتُ بالشوق للحياة أعتصب

وردّ لي كل ما شيخوختي نهبتْ
وردّ لي أملاً ، ما انفك يُغتصب

تقبل الله منه السعيَ ما طلعتْ
شمسٌ ، وما حملتْ غيوثها السحُب

وبارك الله - في الأعمال - يبذلها
لأنه قام مختاراً بما يَجب

وقاه ربي الذي أبنائيَ اقترفوا
مِن العُقوق ، به الإحسانُ يُستلب

واللهَ أسألُ أن تكون رفقتنا
في جنة الخلد ، حيث الفرْح والعُرُب

© 2024 - موقع الشعر