عندما يَصدقُ الشاعر - أحمد علي سليمان

صَدوقُ الشعر ينتقدُ الرياءَ
وإنْ يلقى الدغاولَ والبلاءَ

يُبَصّرُ بالحقائق كل غِر
وينزعُ - عن بصيرته - الخفاء

ويطعن - بالصراحة - كل زيفٍ
وإن يكُ بالتودّد قد تراءى

ويبسط كفّ مِفضال صدوق
يُقلد قومه الصِيدَ العلاء

ويأبى أن يُصانع مَن تغابى
لأن الفذ يحتقر الغباء

ويُبدع في مناقشة القضايا
وكل مُوفق يهوى القضاء

ويطرحُ كل رأي ليس يبني
لكيلا يهدمَ الرأيُ البناء

وقد يَلقى الشتائم كالمنايا
وكان العدلُ أن يلقى الثناء

وقد يلقى معارضة وشجباً
فهل كانت قصائده هراء؟

صدوقُ الشعر لم يهتك حِجاباً
لمُحصنةٍ ، ولم يكشفْ غطاء

ولم يجرحْ شعوراً دون حق
وبين الناس لم يُرق الدماء

ولم يغر الأراذلَ بالصبايا
لأن الصدقَ يمنحُه الحياء

ولم يصفِ المحاسنَ في خَرودٍ
تشع على قوافيه الضياء

ولم يصفِ القوام ولا الثنايا
ولم يعقد لفاتنةٍ لقاء

ولم يصف الذوائب فوق جيدٍ
تزيدُ الغادة السمرا بهاء

ولم يصفِ العيون لها بريق
يذر على مجيبيها السناء

ولم يصفِ الشفاه لها رماح
تكلف من يتوق لها العناء

ولم يصفِ الرضاب له أريجٌ
لمن يهوى الحلا يزجي الظماء

ولم يصفِ الجدائل مرسلاتٍ
على الكتفين ترتجل الغناء

ولم يصغ القصائد في جمال
رخيص ليس يحترم النساء

صدوقُ الشعر لم يرفعْ وضيعاً
ولم يمدحْ - ولو زوراً - غثاء

ولم يُطرِ الطواغيَ في بُييتٍ
فمنهم شِعرُنا أمسى براء

ولم يمسحْ لعاتٍ أي جوخ
يرى شعري تزلفه رياء

ولم يقرعْ طبول الزور يوماً
لأن الزور يخترمُ الإباء

ولم يرضخ لمن يهوى المَخازي
ولكنْ كال - للعِير - الهجاء

ولم يكتمْ عن الجهّال علماً
ولم يرفعْ لمن جهلوا لواء

ولم يكتبْ بدينار بُييتاً
بل اغتال البضاعة والشراء

ولم يسخرْ من الإسلام يوماً
معاذ الله ، بل صَحِبَ الوفاء

ولم تضعُفْ عزيمته لجاهٍ
ولكنْ - في البلا - لزم الدعاء

ولم يعطِ الدنية كي يُعافى
وعاش يقدّم النفسَ الفداء

ولم يكتب لصيتٍ في البرايا
وإن بلغتْ مناقبُه السماء

ولم يكتب ليُرضيَ من تعدى
حدودَ الله بل عنهُ تناءى

ولم يكتبْ ليُعجَب بالمعاني
سقيمُ الفهم من لفَظ الذكاء

ولم يكتبْ ليُطرب مَن تدنى
فأصبح والذين عمُوا سواء

صدوقُ الشعر أبياتٌ تسامتْ
إلى العلياء تلتهم الفضاء

وتجعل - مِن قريض العُرْب - زاداً
يُجنبها التكبّر والجفاء

نعم تسمو ، ولكنْ في احترام
وذا كي تصبح المأوى جزاء

نعم تهدي الأنام جميل نُصح
لكي تجدَ القريضَ له وعاء

نعم تختالُ في عبق التسامي
وإنّ لها - بشِرعتنا - ولاء

نعم تعلو على الأقزام سادوا
وإنّ - لكل مجتهدٍ - نداء

يُرَجِّع فيه أفكاراً وفحوى
ويُزجي للألى مرضُوا الدواء

صدوقُ الشعر نورٌ ليس يخبو
يناول مَن يُطالعه المضاء

ويهدي مَن يُرجّعه سبيلاً
يرى خيراً لسالكه رخاء

يصادقهُ ، ويصبح خير خِل
ويُهديه الصداقة والإخاء

ويُبكيهِ إذا دنتِ الرزايا
ويُزكي الدمعُ - في الشعر - البكاء

ويرثيهِ إذا غالته بلوى
ويُزجي الشعرُ في البلوى الرثاء

وينتشل القريضُ سموّ نفس
من الأسقام يمنحُها الشفاء

ويُمسي الشِعرُ مِعراجَ الأماني
وإن الصدق يُعطيه البقاء

فإذ قد مات صاحبه سيبقى
ويدفع - عنه - صاحبه الفناء

ومهما نافق الشعراء دهراً
سيبقى صادقُ الشعر العزاء

يَمينَ الله إن الصدق باق
وإنْ أصحابُه سكنوا العَراء

© 2024 - موقع الشعر