صدقوا وهم الكاذبون - أحمد علي سليمان

توقيرُ (أحمدَ) يُبْرئُ عاتيَ الداءِ
وشَرعُه - لجميع الخلق - كالماءِ

فهل حياة - بدون الماء - باقية؟
وهل تساوى الضيا يوماً بظلماء؟

شرائعُ العبد للعُبْدان قاصرة
وشرعُ (أحمدَ) في آفاق علياء

هذي القوانينُ قد عمّت مصائبُها
إذ مَهّدتْ - في الدنا - لكل فحشاء

بها تنكر للمعروف مَن فسقوا
كي يُفلتوا جهرة مِن أي أعباء

بها يجاهر - بالتضليل - شرذمة
بلهجةٍ مِن دجى التزييف شنعاء

بها الحقوقُ أمام الأعين انتهكتْ
والنار شبتْ ، ولا سعيٌّ لإطفاء

بها الدماءُ - على الساحات - قد سُفكتْ
وغُيّب الناس في رمال بطحاء

بها الديارُ - على سُكانها - هُدمتْ
وتحتها بَقيتْ آثارُ أشلاء

بها استحلّ حرامُ الله دون حيا
والناسُ عاشوا على تضليل أهواء

قد استبيحتْ - بها - الأعراض هينة
من بعد ما حكّمت في كل أرجاء

عارٌ على أهلها بيعُ النسا علناً
وكل يوم بأخبار وأنباء

عصرُ النخاسة عادت كل ظلمتهِ
وكل أنثى لها ألوانُ حرباء

تحللٌ ما له حدٌ ولا مثل
وفي الديار له آلافُ أصداء

الغربُ قاد - إلى الفجور - خندمة
والأمرُ أكبر من طرح لآراء

وعتّق الخمرَ يُغوي مَن يناوئه
وأهونُ الناس مَن يُغوَى بصهباء

وصدَّر الغيد عربوناً لحملته
حتى يُحرِّق أجيالاً بإغراء

مِن كل ساقطةٍ تغري بفتنتها
كأنها توّجتْ بحسن حَوْراء

والتابعون لهذا الغرب قد رضخوا
رضوخ مستسلم لشِدة الداء

فأيّدوه ، ومِن ألبانه رضعوا
حتى غدت فتنة بدون أدواء

والمصلحون بأرض الغرب قد جهروا
بالحق والخير ، في صُبح وإمساء

وبينوا سبُل النجاة تسبقها
بشائرُ النصر في أهواء هيجاء

وجاهدوا من طغى بدون مرحمةٍ
وواجهوا ، رغم بأساءٍ وضراء

ما استسلموا أبداً لكيد مَن مكروا
أكرِمْ بصِيدٍ على البلاء أكفاء

حتى رأينا - من الكفار - كوكبة
ساقوا المدائحَ أمواجاً بدأماء

كالوا التقاريظ والأمداحَ ناصعة
فهل خلا القومُ مِن حقدٍ وبغضاء؟

وهل قلوبُهمُ - مِن كرهها - طهُرتْ
حتى نقول خلتْ مِن كل شحناء؟

كلٌّ يؤلف أقوالاً منمقة
كباقةٍ - من عطير الورد - غناء

يُطرون (أحمدَ) في دين وفي خلق
وحلّق المدحُ في آفاق جوزاء

وإن (توماس) في كيل الثنا بطلٌ
بلفظةٍ - من شذى البيان - شهباء

فتارة يمدحُ الإسلامَ يجعله
شريعة الحق في حثٍ وإطراء

وتارة يمدحُ النبيَ يُكْبِره
والمدحُ أوقعُ من أفواه أعداء

وتارة يمدحُ الحدودَ صارمة
تقي المدائنَ من تهريج غوغاء

وتارة يمدحُ القرآنَ يفرضُه
علي النصارى ، ويُطري خير قراء

وتارة يمدحُ الأصحابَ يمنحُهم
من طيِّب القول ما يزهو بلألاء

وتارة يمدحُ الديارَ يحسَبُها
تطبّق الشرع في مصر وبيداء

وتارة يمدحُ الجهادَ ينصره
ممن علاه بتشويهٍ وأقذاء

وتارة يتولى كل ذي شُبَهٍ
بخطبةٍ - من صدى التحقيق - عصماء

لو قد صدقت لما أقررتَ باطلهم
ولا اتبعت الهُدى ككل أسواء

لم يجبروك على مدح لمِلتنا
بل حاربوك بأقوال لآباء

وذي كنائسُهم بالحرب شاهدة
بأن (كَرْلايلاً) يهذي بأخطاء

واسألْ (مُوَيراً) عن التاريخ حبّره
عن النبي ، بلفظٍ - منه - بناء

أمسي يُصرّح أن الدين مُنقذهم
من كل داهيةٍ في الدار دَهياء

وأن في شِرعة التقوى النجاةَ لهم
من كل قاصمةٍ تُردي وبأساء

وأن دين الهُدى الأخلاقُ عُمدتُه
تُغيث من فتنةٍ - في الناس - عمياء

هو الحضارة في أنقى معالمها
في عزةٍ تشتهيها النفسُ شماء

هو الشموخ بما في الذات مِن قيم
هو السموّ بزوجاتٍ وأبناء

مويرُ صدَّقَ ما في السلم من أسس
ودينه دينُ أجدادٍ وآباء

فما استجاب لما يُطريه من رشَدٍ
إذ مدحُه بعضُ أخبار وإنشاء

واسأل (تولستويَ) عن مدح لأسوتنا
نبيّ ملحمةٍ كبرى وإسراء

إذ عدّه أعظمُ الرجال قاطبة
ولم يكن في الذي أطرى بخطاء

لكنْ على الكفر (تولستوي) ودّعنا
برؤيةٍ فذةٍ لم تنفع الرائي

ومايكل الهارت ما خابت فِراستهُ
ولم يكنْ قوله قرينَ أرجاء

أعطى النبوة توقيراً يليقُ بها
فبات صِدقاً - بهذا خيرَ - مِعطاء

لكنه لم يدَعْ تثليث نِحْلته
بل لم يُثرْ حولها قليل ضوضاء

حتى ثوت ، وانتهتْ أعوامُ رحلته
على رياح مِن الإشراك هوجاء

واسأل (لامارتينَ) مَن زكَّى محمدنا؟
في جملةٍ من سنا الأقوال فيحاء

زكى نبوته من بعد سُنته
بهمةٍ مِن ضيا التصريح زهراء

وقد أدان الذي صاغوه من دجل
في فتنةٍ - عصفتْ بالغرب - شعواء

فكل فردٍ له صكٌ بمغفرة
للذنب تجعله في كل سراء

وتلك زالت لأن العقل يرفضها
ودين (أحمدَ) حيٌ بين أحياء

لكنْ (لامارتينُ) لم يُسلمْ فنغبطه
لأنه عاش كالأنعام والشاء

له أقول وللعير الألى مَدحوا
شريعة الحق في جَهر وإفضاء

صدقتمُ رغم أن الكِذْبَ ديدنُكم
وقولكم قمِنٌ حقاً بإصغاء

© 2024 - موقع الشعر