إليك يا فتاة الإسلام! (معارضة لمحمد عوّاد) - أحمد علي سليمان

ما للخطوب تسيل مثل الأنهُرِ
فوق الحنيفة ، في هوىً وتندرِ؟

ما للبلاء يُصَب فوق ديارها
فيُحيلها مثل اليَباب المقفر؟

ما للخراب يدبّ في أوصالها
فيسوقها نحو اللظى المتجبر؟

ما للقريحة لا تمُجّ أوارَها؟
ما لليراع يخاف هول المنظر؟

ما للدمار يصولُ فوق ربوعنا
حتى يُمكّن – خاب – للمستعمر؟

ما للعذاب يُذيب عِز نفوسنا
ويجرّنا – بالرغم – نحو المَنحر؟

ما للضياع سعتْ إلينا نارُهُ
وبيوتنا قد أصبحت كالمِجْمر؟

ما للخطيئة بددتْ أخلاقنا
من بعد أن برزتْ بسيفٍ مُشْهَر؟

ما للمعاصي سجّرتْ تنورها
حتى تحَرّق أمنياتِ الأدؤر؟

ما للصليب أتى ليُفسد جيلنا
بفنونه وخموره والمَيسر؟

ما لليهود أتوْا إلينا بالردى
عبر (الدشوش) وعِيبَ من لم يعهر؟

ما للكِفار أتوْا بآنية الطِلا
ويُضيّقون على الذي لم يَسكر؟

ما للفنون لها الصدارة في الورى
ويُلامُ – كل اللوم – مَن لم يَدعر؟

وضحية المكر الرهيب فتاتنا
نجّاكِ ربكِ من شِراك المُكّر

أنا يا فتاة الحق أكتبُ صرختي
بدم القريض ، لها بريقُ الجوهر

ودموعُ قافيتي يفور نحيبُها
حتى تناصح بالكلام النيّر

وأنينُ أوزاني يُغالبه الجوى
فيردّ عِزك في أسىً وتفطر

ونشيجُ شَعري قد تضمّخ بالأسى
ودموعُه سالت مَسيلَ الأنهُر

ويئنّ – في القرطاس – شِعري آسفاً
وكأنما يُقتاد نحو المقبر

تطغى عليه همومُه ، فتهزه
لا خيرَ في الأشعار ، إن لم تثمر

وأراكِ في شعري وقود كريهةٍ
شعواء لاحتْ من ثنايا الأسطر

نادى عليكِ المجرمون: تخلصي
من دين ربكِ ، وامرحي ، وتطوّري

وذري قيودَ الجهل ، لا تتمسّكي
بكتاب ربك ، للسماء تنكّري

ودعي بلا أسفٍ حديث محمدٍ
ومن التمسّكِ بالحِجاب تحرري

وتعلمي التلمودَ دون ترددٍ
هذا هو الدينُ الصحيحُ ، تفكّري

وتقلدي الأزياء وفق حضارةٍ
وتمثلي المُوضاتِ كي تتحضري

وتطلعي للمُوبقات ، ونفذي
حتى تكوني في مهبّ الصرصر

وتسمّعي للأغنياتِ وردّدي
وإذا أردتِ لها الرواية نضري

وتترّسي بالهزل والإغراء إذ
لا عيش - في الدنيا - لمن لم تفجُر

وتجمّلي بالعُري ، إن رموزه
لمّا تعدْ تخفى عليكِ ، تدبّري

وتزخرفي بوسائل التجميل إنْ
ظهر الرجالُ أمام باب المتجر

وتزيني بالثوب يُحْدثُ فتنة
وضعي - على الفستان - كل معطر

وتسلحي بالعِشق ، أنت صبية
عربية ، فخرتْ بأمة حِمْير

وتكشفي ، فالحُسنُ أندى سلعةٍ
وتقلدي (الموضات) يا ابنة مَعْمَر

فالحُسنُ فيكِ سجية عربية
أكرمْ بحُسن – للزبائن – مُسْفِر

وتمايلي طرباً إذا رُمتِ العُلا
وأمام خائنةِ الأنوف تعطري

وتراقصي إن سرتِ في درب الهوى
وتبختري صلفاً بمِشية قيصر

وعن الرجوع إلى التخلف أعرضي
ولكل مُحتال خدودكِ صعّري

وتشامخي إما رأيتِ مُخذلاً
ينهاكِ عن هذا السبيل المُثمر

وتصفحي أوراقنا الحمراء في
ولهٍ ، ومثلَ الراقصاتِ تبختري

ودعي تفاسير القراْن جميعَها
لا خيرَ في الورق الرثيث الأصفر

وإذا أردتِ نصيحة ذهبية
لا تسمعي القرآنَ كيلا تُقبري

فرسالة القرآن ولى عهدها
وكلامُ (أحمد) بائدٌ من أعصُر

وأئمة الفقه استبان سبيلهم
فهمُ الدعاة إلى الضياع الأبتر

أنتِ الضحية إنْ تبعتِ عزيفهم
فصنيعُه في الروح مثلُ الخنجر

إنا نصحنا ، وانتفاعُكِ دأبُنا
ومن الأصوليين يا بنتُ احذري

كلٌ يريد لكِ الرجوع إلى الورا
مثل الذي يرجو رعيلُ الأزهر

كلٌ أعدّ لكِ المُدى مسلولة
وكأنهم – يا ويحهم – في مَجْزر

وإلى هنا انخرس الضلالُ ، وعنّ لي
دَوْرٌ لكي أقتصّ مثلَ القسْوَر

لأسلّ عِرضكِ من مخالب كفرهم
وأفلّ في ثقةٍ قيودَ المأسر

أسدٌ أخوكِ ، وهم ذبابٌ تافهٌ
يسمو الغضنفرُ في لقاء الجَيْهَر

سأفنّدُ الشبَهَ التي لم تحترمْ
يا أختنا دينَ المليكِ ، تصوّري

لأعرّف المعروف رغم أنوفهم
ليصير – تحت النعل – فعلُ المنكر

لأبيّن الحق الذي أودِعتُه
ليكون شعري مثل شعر البُحْتري

لأبعثر الحُججَ الغبية هامساً
في أذنكِ العصماء أن تستشعري

لا يلعبنّ بك الغواة ، فإنهم
جمعٌ حقيرٌ مستريبٌ جَعظري

ضحكوا عليك ، وإنهم همَجُ الورى
فتبيني عبث العِدا ، واستبصري

هم سعّروا ناراً ، وأنت وقودها
فتمهلي في الأمر ، لا تتهوري

ولقد أتيتِ إلى الحياة لغايةٍ
أن تعبدي الخلاق ، لا أن تكفري

أن تعملي صدقاً بسُنة أحمدٍ
فْهْي الرشادُ المستنيرُ العبقري

أن تشهدي أن لا إله سوى الذي
خلق الوجود ، وبالمليكِ تصبّري

وتُتابعي هديَ الرسول محمدٍ
والنفسَ - من نار القيامة - فاشتري

وتنفذي ما تعلمين من الهُدى
ومن النكوص عن الصلاح استغفري

وتُطبّقي الإسلامَ في دنيا الورى
أختاهُ جدّي في السبيل الخيّر

واستعصمي بالحق دون تملمُل
والوجهَ - عن كل الأجانب - خمّري

وتمثلي أخلاق مَن قد أسلموا
وتواضعي لله ، لا تستكبري

ورداؤكِ السترُ الحشيمُ تحسباً
من كل عين تستطيلُ ، وتفتري

وكلامُكِ الأخلاقُ تصقلُ حرفه
فيفوق فلسفة الدعيّ الممتري

وطعامُكِ الحِل الذي لم يختلط
بدجى الحرام ، ولا ببعض المُسْكِر

وجليسُكِ القرآنُ ، نعم مُعلماً
وجناهُ - يا أختاه - مثلُ العنبر

فتعلميه ، وعلميه بلا هوىً
وبه – على عين البرية - فافخري

ومُري بمعروفٍ ، لأنكِ أهله
وإذا رأيت مخالفاتٍ أنكري

وادعي إلى الله الذين عرفتِهم
ومن المواعظ - يا أديبة - أكثري

وخذي الكتاب بقوةٍ ، فهْو الهُدى
وهمومَ دينكِ فاحملي كي تؤجري

وتحمّلي عبء البلا في دعوةٍ
وتجشمي مُر العناء لتعْذِري

وسَعِي جميعَ الناس ، كوني عونهم
كي تبلغي منهم عميق تأثر

وإذا طرقتِ قلوبهم فترفقي
وتجنبي – عند اللقا – أن تنهري

فالرفق بابٌ للقلوب ، ومدخلٌ
وإذا نصحتِ - إلى عُصاةٍ - بشري

وتفهّمي عبث اليهود وكيدهم
كي تحرقي أوراق أخبث عسكر

هم أغرقوا الإنسان في قعر الخنا
ثم اعتلوْا للدس أرجى منبر

بثوا السموم على الديار ، وأمعنوا
في كل إغواءٍ عتي أجهر

وتفننوا في الموبقات وفي الأذى
وضحية الكُفار بعض الأثور

ولهم - إلى سبْي القلوب - وسائلٌ
ولهم - إلى الألباب - أقصرُ أجسُر

خبثوا ، وخابت كلُ أطروحاتهم
فهمُ – ورب الناس – أحقرُ مَعشر

هم قد أضلوا الشِيبَ والشبان في
جهةٍ ، وفي أخرى قطيعَ القصّر

وتلاعبوا دهراً ببعض نسائنا
ولهم طرائقُ نظِمتْ في أوكُر

يا أخت فاحتاطي لدينكِ ، واعلمي
حِيَلَ اليهود ، ودينَ ربكِ فانصري

لا تسلكي سُبُلَ الغواية ، إنها
شَرَكٌ يريدكِ – في الدنا – أن تفجُري

نادتْ عليكِ رحى الدياثة غرّدي
عن ساعد الإغراء – فينا - شمّري

مُدتْ إليكِ يدُ التخنث شاركي
فلتنزلنّ ضحىً بأنكد أبؤر

وضعي من (المكياج) كل طيوفه
وتبذلي ، والشعرَ هذا ضفري

وتجمّلي بالعُري ، إنكِ غادة
وبكل من يهوى التبرج غرري

لا تلبسي كفنَ المَواتِ ، فإنه
سِرجٌ تموّج مثل جلد الجؤذر

وعباءة طولى سَمِيكٌ نسجُها
قومي اطرحيها ، والملاحفَ قصّري

يا أخت لا تهني ، فهذي جوقة
درجتْ على عُودٍ يرنّ ومزهر

فاستمسكي بالحق ، أنت تقية
وتذكّري ما قاله ابنُ الأبجر

أعني (النجاشيَ) الذي لم يكترثْ
بتعلل الحمقى ، ولم يتأثر

لمّا رأى التبيانَ حصحصَ وازدهى
لمّا يقلْ سوءاً ، ولم يتكبّر

بل أسلم المَلِكُ العظيمُ بلا مِرا
فتأملي ما تسمعين ، وقرري

وأراكِ بالتوحيد أقوى عِزة
من جوقةِ العُهر الأثيم المنكر

فاستعصمي بالله عند هجومهم
وإذا لقيتِ فلولهم فلتصبري

وإذا رأيتِ جموعَهم لا تقلقي
فالضعفُ هم ، إياك أن تستكثري

شتان بين طغاتهم وتقاتنا
هل يُذهِبُ الذبّانُ بأس الأصقُر؟

شتان بين عِصابةٍ مَسعورةٍ
تهذي وبين شبابنا المستبصر

شتان بين خنافس في جُحرها
تقتاتُ ما اصطادت وبين الأنسُر

أنا يا فتاة الحق بُحْتُ بما حوى
قلمي الأريبُ عن الرؤى والمَخبَر

سطرتُه شعراً يُعطره السنا
لكِ فافهمي رمز القصيد ، وخبّري

و(محمد العوّادُ) كان دليلنا
أكرمْ بإرشاد الدليل العبقري

رحم المليكُ (محمداً) ورفاقه
ممن توشح بالقريض الأزهر

إني أعارضه لأجبر كسره
إذ لستُ – في الأشعار – بالمتبحّر

لكنه أملٌ يغازل عزمتي
من بعد تفكير عميق المأسر

إني وجدتُ (سناد تأسيس) بها
أمسى يُخمّش في القصيد الخيّر

فنقشتُ أخرى كي تعضّد أختها
وتكون - في التمِحيص - مثل المجهر

وأقِيل عثرة شاعر متضلع
عن نصحنا بالشعر لم يتأخر

كيلا يكون لمفلس من حجةٍ
فأنا البصيرُ بنفخ كل متبر

ليكون (عوادٌ) هنالك في الذرى
وبرغم غِر مُقرفٍ مُستشعر

فالساحة امتلأتْ بكل معربدٍ
والأرضُ عجّتْ بالخنا المستهتر

عوّادُ هذا الشعرُ نفحُ عطائكم
لا خير في قلم بكم لم يشعر

عوّادُ ما عِبنا على أشعاركم
لكنه شرط القريض النيّر

ولقد أتيتُ بما أتيتَ ، فلامني
أستاذنا (النحويّ) بعد تحيّر

وكذلك (النوبي سالم) لامني
فوددتُ أني يومها لم أنشر

فعمدتُ (للتأسيس) ، ثم هدمته
فقلاه شعري اليومَ بعد تطهّر

وشكرتُ (للنحوي) ثم لسالم
وجميلُ كلٍ فاق طعم السكّر

فجزاهما المولى بأفضل ما جزى
عبداً نهى – بين الورى – عن منكر

عوادُ لم أقصدْ إلي تجريحكم
وقصيدتي لمّا تكن بالمَنحر

والسبقُ سبقك ، والقريضُ قريضكم
والوزن سام من أصيل الأبحُر

وقصيدة (العواد) أعذبُ ناقةٍ
وقصيدتي ليست لها بالمَعقر

بل مربدٌ بالشعر أصبح منتدىً
والشعرُ فيه كمثل غيثٍ ممطر

وإليكِ يا أخت العقيدة صغته
وكما ترين إباءه لم يُضمَر

أرجو لكِ الخير العميم ، وأبتني
صرح الكرامة فيه بعد تأثري

فتأملي ما قد سَطرْتُ ، وأحسني
وإذا لمست الخير ربك فاشكري

وإذا سمعتِ بمن يريد خِلافه
ويريدها فوضى حُسامَكِ أشهري

وإذا المواعظ لم تُفِد أصحابها
فحديثك الميمونَ عنهم وفري

وتعلمي لغة الجدال ، ونافحي
عن هدي ربك دون أيّ تجبّر

أختاه دونكِ ما كتبتُ أمانة
وتمثلي أخلاق بنت الأزور

إني سطرتُ قصيدتي لكِ غادتي
أهديك إياها ، ففيها فكّري

أهديكِ ما صاغت يمينُ قريحتي
شعراً يفوحُ شذىً كلهجة عنتر

بدموع قلبي صغته ونفخته
بجوى دمي المتألم المتفجّر

أهديكِ أنتِ بما كتبتُ جديرة
وأديبة حفظتْ حديث المِسور

والشعرُ جزلانٌ لأنكِ فخرُه
أجملْ بشعر بالضيا متأثر

لم أرجُ منه – اليوم – غيرَ ثوابه
ولذا فشعري – اليوم – ليس بمُهدر

وسوايَ صاغ الشعر دون ترفع
ومضى يُصوّر في القوام السمهري

ومضى يصور كل دُعر مُنتن
أبئس بتصوير غوى ومُصور

ومضى بصاحبة القوام لحتفها
فغدا أسيراً للطِلاء الأحمر

ومضى يؤز بغمزه ولهاثه
ومضى يُمزق في الرداء الأخضر

ومضى يُجسّم في شهي رضابها
ومضى يُرصّع في ارتسام المنخر

ومضى يُزخرف في سَواد عيونها
ويَزينُ مُحتالاً غرور المحجر

ويَشيدُ بالعُرْي المُشين كأنما
حُسنُ الجميلة في انحسار المئزر

ويُفاخرُ الدنيا برونق كفها
ويهيم ملتاعاً برسم الخِنصَر

ويُزخرفُ الشمطاء يُحْدث فتنة
ويوجه الأنظارَ نحو البنصر

وإذا بمجتثِ المشاعر غارقاً
في بحرها ، أبئسْ بأخيب مُبحر

وهي التي لم تكترثْ بصياحه
حتى ولا بشعوره المستسخر

هي دون ما كتبَ الرقيعُ حقيقة
إذ لا تساوي نظرة مِن مُبصر

فالحسنُ مصطنعٌ ، وليس طبيعة
فيها ، ولكنْ معطيات تطور

أنا لو أردتُ الشعر هذا جُبتهُ
وكتبتُ في حواءَ دون تنكر

ولكان ريعُ الشعر – عندي - ذاخراً
ولمَا رماني الناس بالمُتحجر

لكنْ أردتُ الله بالشعر الذي
أنشدته بتمعُن وتبصر

وقد احتسبتُ الشعرَ عند الله لم
أرجو به مالاً ، فلم أتحسر

والخير عند الله ، لا عند الورى
والله مولى كل فذ خيّر

سُبحان ربي من كريم منعم
متفضل متكرم متكبر

© 2024 - موقع الشعر