كيف أصبحت؟ - أحمد علي سليمان

بيُسر الحال للنفس اغترارُ
وليس لها - ببلواهُ - اعتبارُ

وتعصِرُها الحوادث كل حين
وليس لها مِن الألم ادّكار

وتبلوها القوارعُ دون رفق
وليس لها - على الهزل - انتصار

وترجُمُها الدغاولُ بالبلايا
ولازالت يراودُها التبار

وتفتنها العواقبُ في مَضاءٍ
وما للنفس - في البلوى - جؤار

وتمسِي غضة لم تشكُ شيئاً
كأن الصمت للنفس الشعار

إذا سُئلتْ عن العمر استكانت
لسائلها ، وسربلها العَثار

وتمعِنُ في الكبائر دون وعي
كأن العمر بدّده البوار

لها في الغيّ تجربة ودرسٌ
وإن الغي مَخبثة وعار

ومَن يهزلْ يغربلْه التردّي
ويصحبْه الترهلُ والصَغار

وما استعصى على نفس عسيرٌ
إذا ما كان - في يدها - القرار

فغلبَتِ السموّ على التدني
وكان لها - على البلوى - اصطبار

وآثرتِ الرشادَ ، ولم تجادلْ
وكان لها من الخطأ اعتذار

وفضلتِ المُضيَ ، ولم تسوّفْ
وكان لها - بطاعتها - افتخار

لتحفِز غيرها ، وتحضّ قوماً
على التقوى ليعتدل المسار

لنا يا نفس أسلافٌ كِرامٌ
بهم - واللهِ - يفتخر الفخار

لهذا الدين عاشوا في زمان
تباعد ، فيه يُمتحَن الخِيار

وفي التأليف عاشوا شطر عُمْر
ولمّا جاهدوا فرّ التتار

لقد علموا بأن الوقت سيفٌ
يُقطع مَن تملكَه الخسار

لذا اغتنموه في تحصيل عِلم
تضاءُ به الممالكُ والديار

وكلٌ جدّد العلمَ احتساباً
وفي وجه الضلال الصِيد ثاروا

وكلٌ جاد بالوقت اغتناماً
فطابت - بعد جُودِهِمُ - الثمار

فهل لكِ أسوة يا نفسُ فيهم؟
أليس يُثير همتك الكِبار؟

فقد عاشوا لهذا الدين ذخراً
به كم جاهدوا ، وعليه غاورا

ألا يا نفس فاتبعي هداهم
وسِيري - يا حبيبة - حيث ساروا

فليلكِ طال ، والظلماتُ طمّتْ
أليس لليل خيبتنا نهار؟

© 2024 - موقع الشعر