كلاهما بطل! (الحلبي &جان) - أحمد علي سليمان

سَمْتُ البطولة يُعْلي مَن - لها - سبقوا
ويستحث خطا مَن نيْلها استبقوا

ويستميلُ قلوباً تستظلُ بها
ويستجيشُ أحاسيسَ الألى صدقوا

ويستثيرُ - إلى أوج العُلا - همماً
بما اشتهتْ من سُمُو الصِيد تنطلق

وليس يعشقه عبيدُ درهمهم
مِن الذين - بدين الخالق - ارتزقوا

ولا يُحبّذه مَن – عنه - قد صُرفوا
ومَن إذا ذكرتْ آياته صُعِقوا

مَن يَشرَقون إذا نودوا لمَكرمةٍ
ولا تراهم إذا ما استُعبدوا شرقوا

مَن يألمون إذا قلتْ مطاعِمُهم
وللمشارب هم - في غيِّهم - غرقوا

ولا يُدَانوْن في الأخلاق قد سفلتْ
قوامُها الهزلُ والتهريجُ والنزق

سمتُ البطولة في شريان عاشقه
دمٌ - بأخلص ما في النفس - يندفق

هذا (سليمانُ) وافانا بمَخبره
فيه التواتر يجعلنا به نثق

وعنده وقف التاريخ مندهشاً
حيث الرواة – على تصديقه - اتفقوا

وكل راو له فحوى وفلسفة
ليست – عن النور والتبيين - تفترق

طالعتُ قصته في أصل مصدرها
وكل سطر له – في خاطري - نسَق

فطِيبُ أصل الفتى أعطاه منزلة
لم تتسعْ – لمداها – الأرض والأفق

وحُسنُ سِيرته وعِز مَحتده
أمرٌ يُشرّفُ مَن أخلاقه اعتنقوا

وفرط غيرته على عقيدته
أغرى الأعاديَ والنوكى ، لذا حنقوا

وعذبُ نشأته في بيئةٍ طهرتْ
وعاش فيها – كمثل النجم - يأتلق

هذا (سليمانُ) والقرآنُ يغبطه
والآي - في صدره بالحُسن - تتسق

وفي الجنان حديث المصطفى عبقاً
كذاك تطبيق ما في نصِّه عبق

تعلم العلم يرجو خير أمته
حتى يرى أهلها الخيراتِ تستبق

أتى إلى مصر تحدوه مطامحُه
إن الأفاضل – للأمجاد – قد خلقوا

وطالبُ العلم لا تخبو مَناقبه
والعالِمون تقى الرحمن قد رُزقوا

أرخى العنان لآمال يدلّ بها
لأنه – في سما تحقيقها - حذِق

لم تُغره مُتعُ الدنيا وزخرفها
كما يُغرّ بها مَن سَمته الخرق

لمّا يَر العِلمَ نصاً في صحائفه
دون التحلي بأعمال لها ألق

لم يبتغ المال بالعلوم حصّلها
وهل سيُرجع علمَ العالم الوَرِق؟

ما قيمة العلم إن دُكتْ قواعده
في واقع - لغياب العلم - يختنق؟

ما قيمة العلم نجزي مَن يحققه
ومن يطبقه يُزوى وينسحق؟

ما قيمة العلم إن أسفاره طبعتْ
دون امتثال؟ وماذا ينفعُ الوَرَق؟

ما قيمة العلم إن سِيقتْ مشايخه
إلى السجون ، وما اعتدَوْا ولا سرقوا؟

هذا (سليمان) لم يبخل بأضحيةٍ
لها دمٌ - في ثرى تَسكابه - غدق

لم تُجدِ نفعاً مقالاتٌ ولا خطبٌ
ولم يَجدُ أذناً مُدافعٌ لبق

لمّا تفِدْ الاعتراضاتُ التي بُذِلتْ
وما الكلامُ إذا طغى الألى فسقوا؟

وما النواحُ إذا احتلتْ مدائننا؟
وهل يرد العِدا الإنكار والحنق؟

والشجبُ هل يردعُ الباغين في زمن
فيه الغزاة سيوفَ النقمة امتشقوا؟

وما الحروف إذا المدافع استعرتْ
ومن قذائفها الأصقاعُ تحترق؟

في غابةٍ نحن ، لا حُسنى لساكنها
ولا يسود بها عدلٌ ولا خلق

هو البقاءُ لأقوى الناس ، تحسبُهم
عن الأوابد والذؤبان ما افترقوا

فمنطقُ القوة المختلُ يحكمُهم
وكل عُرفٍ وقانون همُ خرقوا

شريعة الغاب – بين الناس - مَنهجُهم
وقوسُهم - في التحدّي - ليس تنشرق

والبطشُ بالخلق رغم الأنف دَيدنهم
فبعضَهم ضربوا ، وبعضَهم شنقوا

وبعضَهم سَحلوا ، وبعضَهم سَجنوا
وبعضَهم قتلوا ، وبعضَهم حَرقوا

وبعضَهم حَرموا أرجى مطالبهم
وبعضَهم عَزلوا ، وبعضَهم صَعقوا

وبعضَهم في البيادي المقفرات نفوا
وعنهمُ التهمَ المكذوبة اختلقوا

وبعضهم مزقوا أجسامَهم مِزقاً
ووزعتْ – للضواري – هذه المِزق

هذا (سليمانُ) جلى قبحَ باطلهم
وثارَ إذ سُدتِ الآفاقُ والطرق

واغتال أفجرهم بمُديةٍ نحرتْ
فسال بعضُ دم ، واشحوحب العلق

وأصبح الجسم صخراً لا حِراك به
وغمّدته – عن الخلائق – الخِرَق

وعَبّ ما منه الأبرياءَ سقى
وألجم الجثة المغتالة العرق

أمسى (كليبر) في أجناده خبراً
إذ أغرق الرأسُ - بالدماء - والعنق

ومُدّد الجسم محمولاً على نصب
والعينُ شاخصة ، ولونها يَقق

والطب قال – أمام الكل - كِلْمته
إذ لم يعُدْ – في حياة المُفتري – رمق

طوى صباه الردى ، والموتُ جندله
ولن يُعيد له حياته الملق

هو الذي قتل الآلاف معتسفاً
أعطى الأوامر أجناداً لهم حَذق

وكم أراق دماء الصِيد مُحْصَنة
والجندُ – حول الضحايا الأبريا – حِلَق

وكم بطون – بنار البغي – قد بُقرتْ
والناسُ تنظر للأمعاء تندلق

وأزهقتْ أنفسُ الأعلام من شجبوا
ظلماً - من الحقد والإجرام - ينبثق

مَن كان أزهق أرواح الورى بطلٌ
ومَن يعِبهُ فقد أودى به الحُمُق

مَن كان يتم أطفال الألى رشدوا
ومَن يعِبه تلي أطرافه الوُثق

من كان رمّل خيرَ المؤمنات ضحىً
هو البريء ، عليه الدمعُ ينسحق

مَن بالخيول غزا – في التو - أزهرنا
وبالمدافع بات الصحنُ يحترق

أما الذي قتل الطاغوت في ملأ
هو المُدانُ ، له في الشر منطلق

يمينه حُرقت حياً لينتصفوا
فقاتل الله قاضِيْهم ومَن حرقوا

وبعدُ يُشنقُ ، هل هذي حضارتكم
فلعنة الله أرجوها لمن شنقوا

وحاسبَ الله مَن - بليثنا - غدروا
والله يعلم ما أهل الفسوق لقوا

وعاقب الله من - في شهمنا - شمتوا
مَن عاش منهم ومَن في عصره نفقوا

هذا (سليمانُ) بدرٌ في دياجرنا
يدين كل الألى مِن دينهم مرقوا

يا (بارتليمي) رزقتَ النار موقدة
حرقت كف الذي الإسلامَ يعتنق

ساري العساكر هل تحميك حرقتها؟
فاضرعْ لمينو القضا قاضي الذين شقوا

ليت الحديقة ما انجابتْ مخابئها
أو ليت من بحثوا كأسَ الخمور سُقوا

واليوم جمجمة الشهيد شاهدة
أن الشهيد – عن الأوغاد - يفترق

تلَ العقارب لا ذقت الهنا أبداً
وعشت ما عشت يغشى أرضك الأرق

إن (الفرنسيس) قد زاغت بصائرُهم
في مُتحفٍ منه أصحابُ الحِجا أبقوا

لأنهم خلطوا الأوراقَ ماثلة
والعاقل الفذ – في الأوباش – لا يثق

أو أن جمجمتين اليوم بُدّلتا
وتحت كلًّ شِعارٌ ليس يتفق

فإن جمجمة الشهيد عابقة
وتلك ما زارها شذىً ولا عبق

هذا (سليمانُ) بالتوحيد قد نطقت
شفاهه ، وبآي الذكر تأتلق

أنهيت حملتهم ، وانزاح باطلهم
عن البلاد ، وأهل المِلة انعتقوا

عليك من ربك اللطيف رحمته
ما أشرق البدرُ ، أو عمّ الدنا الغسق

© 2024 - موقع الشعر