قرتا العين في رثاء والديَّ الكريمين معاً! - أحمد علي سليمان

أشرتَ بالرأي ، والبرهانُ مقرونُ
وأمرُ رب الأنام الكافُ والنونُ

وكنتُ أبّنْتُ كُلاً في قصيدته
فهل يعيد لنا من غاب تأبين؟

لكنه الدَّيْن – مثلُ القيد – في عنقي
وللوفاء به شرط وعُربون

أكبرْتُ رأيَك لمّا أن جهرتَ به
وقلتُ أفعل ، والجميلُ ممنون

أبا جمال جزاكَ الله مَكرُمة
على النصيحة زانتها المضامين

وفارقُ السن لم يجعلك في حرج
ولم تُخفك مِن الردّ الأظانين

مساحة الودِّ لم تُحدثْ مُشاحنة
إذ ألفت بيننا الطاعاتُ والدين

ولم يُلِنك حياءٌ عن مصارحةٍ
ما في الصراحة إرجافٌ ولا لِين

يا (أحمدَ الخير) أبشرْ سوف أنظمها
قصيدة نظمُها البديعُ موزون

والواقعيّة فحواها وزبدتْها
ما قيمة الشعر إن أملاه تدشين؟

أصوغها مثلما ذكرتَ مُحتسبا
ولفظها بسنا الإخلاص مشحون

لم آل جهدا ، ولم أبخل بعارفةٍ
لكي تزان بمرآها الدواوين

وما خفرت جوارا أنت معلنهُ
برغم أن يَراع الشعر محزون

ولم أؤجل لحين ما وعدتُ به
وشاهدي في الذي ذكرتُه الحين

وأنت أعلم بالأشعار أكتبها
وجُلها بالوفا والحب مقرون

الوالدان هما الحياةُ ماتعة
والعيشُ فيه على الدعوى البراهين

كم أسعداني بما قالا وما بذلا
وكل بذل له مدحٌ وتدشين

وناصحاني وجدّا في مُراجعتي
إن وسوستْ في قناعاتي الشياطين

وربياني صغيراً خيرَ تربية
وفي القصائد إثباتٌ وتدوين

وأكرماني بما اسطاعاه تلبية
لواعظ الخير ، فالإكرام مكنون

وشجعاني على المعروف أصنعُه
بين الخلائق حتى قيل مجنون

وناولاني حُسامَ الحق مشتهراً
لأنصر الحق إن ساد الفراعين

وعلماني اتباعَ الهَدْي في ثقةٍ
جُند الحنيفة آسادٌ عرانين

وأرشداني إلى الثراء أنشده
ليس الثراء أتتْ به الفدادين

ولقناني الرضا بما خُصصتُ به
واليومَ يُثمر إرشاد وتلقين

ووجهاني بلا ضيق ولا سأم
إلى الصراحة إن غلا الدهاقين

وأشرباني من الإباء أجملَه
فلا يُسربلني ظلمٌ ولا هُون

وكنتُ هاجرتُ عن أهل وعن وطن
وفي اغترابي دهى الفؤادَ توطين

داري قلتْ كل مَن راموا شرافتها
فهاجرتْ عن مجاليها الملايين

أنى اتجهتَ ترى من أهلها زمُرا
ومَن بقوْا في الحِمى فهم مساجين

والبعض ضمتهم الأجداثُ باكية
على المكائد أملاها الهوامين

والبعض آثر أن يموت منتحرا
حتى يحوز عطاياها القوارين

والبعض فرّ من الجحيم يُشعله
بين الأنام على الدرب الملاعين

وقلتُ: آتي لكي أراكَ يا أبتي
فقال: كلا ، وإن عمّت طواعين

وإن أتيتَ فقد تزيدني غضبا
ولا يغرنْك تزييفٌ وتوهين

احتَلتِ الدارَ - رغم الأنف - شرذمة
أمست يُحركها عِيرٌ مجانين

فهل تجيئ إلى البلاء يا ولدي؟
قد زال عز وخيراتٌ وتمكين

ونحن نرجو (صلاحا) كي يوحدنا
والكل يسأل: هل تكون (حطين)؟

شتان بين الذي تركتَ مِن زمن
وبين ما أحدث الحُمر الأساطين

فلا تقل: أتّقي ، ولا أعارضُهم
لأن منهجهم غشٌ وتخوين

لقد يَطالك منهم غدرُ أفجرهم
فاربأ بنفسك أن يلقاك تِنين

صَفّ الجنودَ وفي الأيدي السلاحُ بدا
وللتحايُل كم سُنت قوانين

فقلت: أمي ، فقالت: لاتزرْ أبداً
حتى وإن قيل تغسيلٌ وتكفين

كن حِلسَ داركَ في منفى لجأتَ له
لا يصرفنّك تزييفٌ وتزيين

واضممْ إليك جناح الرهب مُبتعداً
عن العذاب ، ولا يَصرفك مَلسون

أنجاك ربك بالمنفى وعائلة
فكيف يُغريك بعد الرفعة الطين؟

والله ما استويا عيشٌ تدل به
وعيشة أسنتْ ، قوامُها الدون

كلا ، ولا استوتِ الشجوى بمرحمةٍ
ولا استوى الحنظلُ البريُّ والتين

يا قرتا العين ، يا أبويَّ معذرتي
أسوقها لكما ، والعفو ميمون

جازاكما الله عني الخير أجمعه
ما مات ميْتٌ ، وما نعاه تأبين

© 2024 - موقع الشعر