في رثاء الشعر - أحمد علي سليمان

بِشِعْرِكَ أَسْقَمْتَنَا البَارِحَةْ
وَخَلَّفْتَنَا كَالدُّمَى الكَالِحَةْ

قَصَائِدُكَ النَّاثِرَاتُ الأَسَى
عَلَى القَلْبِ كَالجَمْرَةِ اللافِحَةْ

صُخُوْراً أَرَاهَا عَلَى مَسْمَعِي
وَسِكِّينَ هَزْلٍ لَهُ جَارِحَةْ

تُؤَجِّجُ فِي النَّفْسِ إِعْياءَهَا
وَتَتْرُكُهَا فِي الدُّنَا صَائِحَةْ

وَمَا إِنْ سَمِعْتُ تَهَاوِيلَهَا
سَخِرْتُ مِنَ النَّعْرَةِ الصَّادِحَةْ

لَقَدْ أَوْغَرَ القَلبَ إِفْلاسُهَا
عَجِبْتُ لِسَكْرَتِكَ الجَامِحَةْ

وَقَدْ حَيرَتْنِي تَقَاسِيمُهَا
ذَهِلْتُ لِفِكْرَتِكَ الفَادِحَةْ

وَأَنْتَ الدَّعِي فَلاَ شَاعِرٌ
هُنَالِكَ أَوْ نَظْرَةٌ وَاضِحَةْ

وَلا عَنْتَرٌ خَلْفَ هَذِي الرُّبَا
وَلا كَعْبُ أو ثَوْرَةٌ رَاجِحَةْ

وَلَيسَ امرُؤُ القَيسِ بَينَ الوَرَى
بِمَا صَوَّرَتْ رِيشَةٌ نَافِحَةْ

وَلَيسَ السَّمَوْألُ فِينَا إِذَنْ
وَلا قَيسُ أَو أُسْوَةٌ صَالِحَةْ

ولا البُحْتُرِي فَيا لَلأَسَى!
ألا إِنَّهَا الأَزْمَةُ الكَاسِحَةْ

وَ(أَعْشَى) اليعَارِب تَحْتَ الثَّرَى
وَ(أَخْفَشُهُم) يرْجِمُ السَّادِحَةْ

وَجِيلُ (تَأَبَّطَ شَرًّا) مَضَى
وَتَبْكِي (زُهَيرًا) - كَذَا - النَّائِحَةْ

وَجِيلُ (ابْنِ كُلْثُومَ) لَمَّا يعِي
بِمَا فِي المَهَازِلِ مِنْ رَائِحَةْ

وَ(خَنْسَاءُ) أَعْرَابِنَا تَشْتَكِي
وَتَتْلُو بِعَبرَاتِهَا الطَّامِحَةْ

لُهَاثُ السَّكَارَى وَهَزلُ الدُّمَى
قَصَائِدُ فِي عُرْبِنَا نَابِحَةْ

وَأَمَّا (الخَلِيلُ) فَلَمْ ينْفَعِلْ
لأَنَّ الخُطُوْبَ غَدَتْ كَاشِحَةْ

تَبَعْثَرَ فِي الدَّربِ مَجْهُودُهُ
وَأَوْزَانُهُ تَمْلأُ اللائِحَةْ

وَلَمْ تَبْكِهِ العُرْبُ ، لَكِنْ بَكَى
عَلَى يعْرُبِيتِهِ الرَّازِحَةْ

وَلَمْ يكْتَرِثْ بِالهُرَاءِ الَّذِي
رَآهُ كَمَا الصَّخْرَةُ الوَاقِحَةْ

أَنَّ الرَّذَالَةَ سَمْتُ الدُّنَا
وَدَيدَنُ أَشْعَارِهَا الطَّالِحَةْ

كَذاكَ (المُبَرِّدُ) لَمْ يلْتَفِتْ
لِتَيسٍ بَكَى نَعْجَةً نَاطِحَةْ

عَلاَمَ البُكَاءُ وَأَمْرُ الهُدَى
تُدَبِّرهُ نَغْمَةٌ مَازِحَةْ؟

وَفِيمَ التَّشَاكِي وَجُلُّ الهَوَى
تُسَطِّرُهُ فُرْصَةٌ سَانِحَةْ؟

وَتَسْطُو عَلَى كُلِّ آهَاتِهِ
وَتَغْمُرُهُ النَّشْوَةُ الكَابِحَةْ

إِذَا كَانَ فِي القَلْبِ مِنْ آهَةٍ
أَرَاهَا عَلَى حَالِنَا الكَادِحَةْ

فَيا شَاعِرًا حَيثُ لا شَاعِرٌ
وَلَيسَتْ بِضَاعَتُهُ رَابِحَةْ

تَخَلَّلْ بِعِطْرِ القَرِيضِ الهَوَى
وَدَعْكَ مِنَ السَّقْطَةِ المَالِحَةْ

فَإِنَّ السُّقُوْطَ غَدَا سَمْتَكُمْ
وَعِلْمُ القَرِيضِ لَكُم فَاتِحَةْ

تَعَلَّمْ وَجَدِّدْ وَذُرَّ الشَّذَى
وَنَقِّحْ قَصِيدَتَكَ اللاتِحَةْ

وَعَطِّرْ قُلُوْبَ الوَرَى بِالهُدَى
وَواظِب عَلَى الدُّرْبَةِ النَّاجِحَةْ

وَأَمَّا الهُرَاءُ الَّذِي سُقْتَهُ
أَمَامَكَ فِي السَّهْرَةِ السَّابِحَةْ

فَتَكْفِي قَصِيدَةُ مِثْلِي لَهُ
فَإِنِّي أَرَاهَا لَهُ شَارِحَةْ

تَعَقَّبْتُ مَا قُلْتَهُ عَبْرَهَا
كَغَادِيةٍ تَشْتَهِي رَائِحَةْ

عَلَى المُتَقَارِبِ سَطَّرْتُهَا
وَلَمَّا تَكْن فِي الهَوَى نَازِحَةْ

وَأَجْرِي عَلَى الله لا أَبْتَغِي
مِنَ الغَيرِ مَنْفَعَةً لامِحَةْ

وَإِمَّا رَأَيتُ الهُرَا بَعْدَهَا
أُوَاجِهُ بَاللهجَةِ الشَّارِحَةْ

وَلَسْتُ أَخَافُ وَفِيمَ الحَيا
وَلَمَّا تَخَفْ جَوْقَةٌ فَاَضِحَةْ

رَمَتْنِي المَقَادِيرُ فِي نَحْرِكُمْ
فَسَعَّرْتُ نَارِي مِنَ البَارِحَةْ

© 2024 - موقع الشعر