عذابات الغربــــــة - أحمد علي سليمان

يا لضِيقي باغتراب مُستطيرِ
يا تُرى هل مَهربٌ مِن ذا المصيرِ؟

نفْعُ غيري كان سَمتي واجتهادي
في ديار ليس فيها مِن مجير

كم مَددتُ كف جودٍ لا أبالي
مثلَ كُل فاقدِ الوعي غرير

كم فتحتُ الدارَ تُؤوي مَن ألاقي
مِن قريب أو بعيدٍ مُستجير

كم بذلتُ المالَ لم أحسبْ حسابي
أن يُذرّى بالصفا بعد الدبور

كم تحملتُ الأذى سِراً وجهراً
مِن وضيع خامل الذكر حقير

كم تكلفتُ الذي فوق احتمالي
حيث إني جاهلٌ بعض الأمور

واستدنتُ لأوفيْ دَينَ غيري
وديونُ الغير أودتْ بالخسير

ثم ضم الكل مِن حولي انفضاضٌ
ولدى الكل انمحى معنى الضمير

هل يُرَجّى الخيرُ مِن نذل خسيس
كان بالأمس له حال الفقير

كان يُبدي لوعة الحرمان تسبي
قلب إنسان تقي ذي شعور

ويسوقُ اللفظ تلو اللفظ رَطباً
يسلبُ التفكيرَ مِن عقل البصير

ثم لمّا خصه المولى برزق
وبأموال وتمكين ودور

غره المالُ فغالى في التجني
وانبرى يُصغي لوسواس الغرور

وزنَ الناسَ بأموال وطِين
مثلما قارونُ في خالي العصور

فهل الأموالُ أغنت عنه شيئاً؟
هل وقاه المالُ زلاتِ الشرور؟

جعل الخذلانَ رداً لجميل
إنما الخذلانُ مِن طبع الغدور

كفرَ النعمة ما ردّ حقوقاً
هل خيورٌ نرتجيها مِن كفور؟

وامتلاءُ النعل تِبراً أو عقيقاً
هل به يغدو كمصباح مُنير؟

لا ، وربي لم يزلْ نعلاً حقيراً
ما له شأنٌ سِوى عند الحمير

هكذا الغربة عرّتْ كل نذل
وأصيل ، ما لها أي ستور

طعمتي في غربتي ذكري وشعري
وطعامُ النذل بعضاً من شعير

بيننا فرقٌ ، ولسنا نتلاقى
صاح هل أبصرت بالفرق الكبير؟

© 2024 - موقع الشعر